حلب | تحتمي زينب شريف، التي أكل وجهها الفقر، مع أولادها، بخيمة صغيرة، بعدما أفقَدها الزلزال بيتها البسيط في منطقة الزيتونات المخالِفة في مدينة حلب، وهي التي كانت أخذت الحرب منها مأخذاً، وخسّرتْها زوجها لتصبح المعيلة الوحيدة لأُسرتها. تروي زينب، لـ«الأخبار»، ما حصل لها لحظة وقوع الفاجعة، قائلةً: «خرجتُ حافية القدمَين تحت المطر الشديد لإنقاذ أطفالي الثلاثة، فانهيار جدران البيت جعل الوضع مخيفاً... ولذا بات مستحيلاً السكن فيه، ففي أيّ لحظة قد ينهار». وعن أسباب سكنها في خيمة بدل مراكز الإيواء القريبة، تقول إن الجوامع والمدارس في المنطقة رفضتْ استقبالها وغيرها من أهالي الحيّ بحجّة عدم وجود أماكن شاغرة. وينسحب حال زينب على هناء صالح السكتة من منطقة الهلك، والتي اضطرّها الزلزال للسكن في خيمة بعد تصدُّع جدران بيتها، وعدم تمكّنها من إيجاد مساحة في جامع أو مدرسة مع أولادها الستّة. تقول هناء، لـ«الأخبار»، إن «الزلزال قلَب حياتها رأساً على عقب، خصوصاً في ظلّ غياب زوجها الدائم كونه عسكرياً»، مضيفةً أن «الزلزال أقسى وأشدّ وطأة من سنوات الحرب، فخلال ثوانٍ قليلة جعلنا "على الحديدة"، ورمانا في الشارع، ما جعلنا نكبر عشر سنوات في ليلة واحدة»، مُطالِبةً بـ«تأمين مأوى لها ولغيرها من المشرَّدين في الشوارع».
مخيّم لجوء مصغّر
تعيش في الخِيم المتمركزة في بقعة نائية قرب منطقة بستان الباشا، قرابة 80 عائلة هجّرها الزلزال من مناطق مختلفة من حلب الشرقية وخاصة تلك العشوائية، التي أُهملت مبانيها المتصدّعة منذ انتهاء المعارك قبل خَمس سنوات. وتسكن في كلّ خيمة عائلتان اثنتان، لكن هذه المرّة ليس على أراضي الدول المجاورة، وإنّما داخل الأراضي السورية. ويشكو قاطنو هذا المخيّم المصغّر من عدم كفاية ما لديهم من فُرش وأغطية، فيما تُطالب من بينهم السيّدة الأربعينية، جميلة هلال، بتأمين إنارة لهم، لافتةً إلى أنهم «منسيّون بالمطلق، بحيث لا يتذكّرهم أحد سوى فاعلي الخير، وأحياناً تمرّ أيّام عليهم من دون تقديم طعام لهم، فيما يقتصر ما يتناولونه على أقراص فلافل وحبّات بندورة وأحياناً سندويشات جبنة ومعلّبات». وتشير هلال إلى أنها لجأت إلى الخِيام، التي تكفّلت بإقامتها جهة لبنانية، بعد رفْض استقبالها في مراكز الإيواء. من جهتها، تؤكّد شريكتها في الخيمة ذاتها، ربيعة هلال، وهي أرملة وأمّ لثلاثة أطفال، أنها كادت تفقد حياتها وأولادها لحظة وقوع الزلزال، لكن «الله تلطّف بنا»، مضيفةً أنها لا تستطيع العودة إلى بيتها المتصدّع في منطقة الحيدرية المخالِفة، والتي أصبحت جميع مساكنها مهدَّدة بالانهيار.
تعيش في الخِيم المتمركزة في بقعة نائية قرب منطقة بستان الباشا، قرابة 80 عائلة هجّرها الزلزال

وتَعتبر ربيعة أن «الخيمة، على رغم قسوة العيش فيها، أرحمُ من الإقامة تحت سقف بيت متصدّع، فأقلّه يستطيع أولادها اللعب من دون تهديد حياتهم في أيّ لحظة وخاصة مع كثرة الهزّات الارتدادية»، لافتةً إلى أن «إهمال هذه المنطقة ليس وليد اليوم، فأغلب المناطق الواقعة في المحور ذاته من الحيدرية إلى الزيتونات والهلك وغيرها منسيّة بشكل كامل ومحرومة وأهلها من كلّ الخدمات».

في انتظار المسكن البديل
لا يقتصر السكن في الخِيام على هذا المخيّم الصغير، بل إلى جانبه الكثير من المخيّمات التي بدأت تغزو الحدائق والأرصفة في منطقة لطالما شكّلت خطّ اشتباك بين الجيش السوري والمسلّحين، في مشهد لم يألفْه الحلبيّون حتى في أشدّ أيام الحرب ضراوة. ويُرجع بعض المتضرّرين، الذين آثروا عدم ذكر أسمائهم، تفضيلهم السكن في الخِيام إلى «عدم جهوزيّة مراكز الإيواء للعيش فيها، وخاصة أنها تضمّ عشرات العائلات ولا يوجد فاصل فيها بين عائلة وأخرى». وفي هذا الإطار، يَلفت الشاب محمود محفل، الذي تضرّر بيته في حيّ المشارقة ما اضطرّه إلى العيش عند أقربائه لفترة بسيطة، إلى أنه بعد أيام قليلة من ذلك، نصَب خيمة لعائلته على الرصيف، خاصة أنه خَبِر الإقامة فيها خلال سنوات الحرب عندما عاش في مخيّمات اللجوء في لبنان، ليعود منذ أربع سنوات إلى حلب، مضيفاً أن الزلزال «وجّه إليه ضربة قاصمة، وأعاده إلى الصفر، بحيث لم يقدر على إخراج عفش بيته على نحو يمكّنه من استئجار بيت آخر بدل الحاجة وطلب الإغاثة»، مشدّداً على «ضرورة التركيز على تأمين مسكن بديل بدل تحويل الشعب السوري إلى شعب اتّكالي».
من جهته، يصف عضو المكتب التنفيذي في مجلس محافظة حلب، حميد كنو، السوريين القاطنين في الخِيام بـ«الحالات الفردية»، لافتاً إلى أن «المحافظة فتحت مراكز إيواء تتّسع لجميع المتضرّرين»، مستدركاً بالقول: «ربّما في لحظات الصدمة الأولى لم يستطع المتضرّرون التوجّه إلى هذه المراكز، التي لم ترفض استقبال أيّ شخص متضرّر، وبالتالي الآن بمقدورهم تسجيل أسمائهم في أيّ مركز للحصول على المعونات والمساعدات التي يحتاجونها». ويشير كنو إلى أن «محافظة حلب كلّفت الهلال الأحمر السوري بتقييم وضْع جميع المتضرّرين في المدينة وريفها، حيث ستعدّ جداول منظَّمة تتضمّن توصيف حالة كلّ عائلة بمَن فيهم الموجودون في الخِيام، وبعد عملية التقييم، ستمدّ كلّ عائلة بحسب احتياجاتها؛ فإذا كانت هناك أُسرة مثلاً تحتاج إلى مواد إغاثية أو مادّية سيُقدَّم لها ذلك، وإذا كانت هناك أُسر تحتاج إلى مأوى ستؤمَّن لها مساكن بديلة».