ظهر وزير الدفاع التركي، خلوصي آقار، مجدّداً في المناطق المتضرّرة من جرّاء زلزال السادس من شباط، والتي تفقّدها برفقة رئيس أركان الجيش ياشار غولر، وقائد القوات البرّية موسى آفسيفير، فيما بدت لافتةً التصريحات الغاضبة للوزير بعد الزيارة. وكانت المعارضة قد اتّهمت السلطة الحاكمة بأنها لم توفّر للجيش صلاحيات التدخُّل السريع والفوري لدى حصول الزلزال، بعدما عدَّلت، قبل سنوات، قانون «هيئة إدارة الكوارث والطوارئ» لتمنح المؤسسة العسكرية دوراً لا يتعدّى المساعدة. وحمّلت المعارضة المسؤولية عن غياب الجيش ومنظّمة «الهلال الأحمر التركي» في اليومَين الأوّلين للكارثة، للرئاسة. وردّاً على ما تقدَّم، رأى آقار أن اتّهام الجنود بعدم الخروج من الثكنات في اللحظات الأولى وتَسبُّب ذلك بزيادة الخسائر، هو «افتراء»، علماً أن بعض الصحف كانت قد نقلت أن آقار اتّصل بالرئيس رجب طيب إردوغان، طالباً الإذن لخروج الجنود من الثكنات للمساعدة في الإنقاذ، غير أن الأخير لم يمنحه الإذن الفوري، قبل أن تُباشر «هيئة الكوارث» عملها. وعارضاً دور وزارة الدفاع والجيش في مناطق الزلزال منذ حدوثه، اعترف آقار بـ«(أنّنا) نحن كوزارة دفاع قمْنا بجميع أنواع الاستعدادات في الوقت المحدَّد. لكن اتّخاذ الإجراءات يقع على عاتق الرئيس إردوغان، وبالتالي على نائب الرئيس فؤاد أوكتاي الذي تولّى التنسيق مع إدارة الكوارث منذ صباح حدوث الزلزال».ويبدو أن قيادة الجيش كانت مربكة إزاء التعامل مع الكارثة؛ إذ يقول الكاتب مراد يتكين، مثلاً، إن كتيبةً للبحث والإنقاذ كانت جاهزة للانتقال من مدينة قيصري إلى المناطق المنكوبة، لكن طائرات النقل «A400M» كانت بحاجة إلى إذن من «إدارة الكوارث»، فيما بدا مدير «المديرية العامة للاستجابة للكوارث»، إسماعيل بالاك أوغلو، «عديم الخبرة في هذا المجال، لأنه ببساطة كان أستاذاً لعلم اللاهوت عندما عُيّن مديراً في إدارة الكوارث والطوارئ». وبحسب يتكين، فإن «الوحدات العسكرية لم تُرَ إلى جانب وحدات الإنقاذ المدنية إلّا في اليوم التالي للزلزال، وبعد إعلان حالة الطوارئ، وتلقّي الجيش تعليمات من المحافظين الذين كانت لهم سلطة استدعاء العسكر في حالات الطوارئ. ومع ذلك، انتظر المحافظون، بدورهم، وصول تعليمات من رئاسة الجمهورية للمشاركة في إنقاذ الأرواح».
وفي موازاة تكشُّف المزيد من المسؤوليات، بدأت تَبرز التداعيات السلبية للزلزال على التوازنات الميدانية، ولا سيما في منطقة حسّاسة مثل هاتاي (الإسكندرون)، وخصوصاً مدينة أنطاكيا نفسها. وفي هذا المجال، تَوجّه رئيس بلدية هاتاي الكبرى، لطفي صواش، المنتمي إلى «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، بنداء لافت يدعو فيه السكّان إلى عدم بيع ممتلكاتهم وأراضيهم. وقال للمواطنين الذين غادروا المدينة: «عودوا، لا تبيعوا ممتلكاتكم وأرضكم. هاتاي لنا وستبقى لنا، ولا يشتبهنّ أحد. لن يبيع أحد ما يملكه من أراض وغيرها، ولن يكسر أحد آماله باسم المستقبل». وشدّد صواش على أن المدينة بكلّ معالمها التاريخية والثقافية سيعاد بناؤها، قائلاً: «لقد نَجَوْنا بالفعل من زلزال يمكن أن يحدث مرّة كلّ ثلاثة آلاف عام. لقد فقد كثيرون حياتهم وفقدوا منازلهم وأصيب الكثير منّا بجروح وعانوا الكثير. هاتاي تحتاج إلى الوقوف. وهي إرث أتاتورك الذي أعطانا إيّاها. نحتاج إلى سنة ونصف سنة لإعادة إعمارها، فرجاءً لا تبيعوا شيئاً من ممتلكاتكم على الأقلّ لمدّة سنة ونصف سنة!». تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى انتشار شائعات تفيد بأن آلافاً من السوريين انتقلوا أو أنهم في طريقهم للانتقال إلى تركيا. وقد وصف وزير الدفاع تلك الشائعات بـ«الكاذبة... لم يعبُر أحد لا البوابات الحدودية ولا الخطّ الحدودي. تهدف هذه الأكاذيب إلى نشْر الفتنة، إذ إن أكثر من عشرة آلاف سوري عادوا إلى بلادهم من تركيا بعد الزلزال». من جهته، يصف محمد برلاس، في صحيفة «صباح» الموالية، هذه الأنباء بأنها «دعاية سوداء» من قِبَل «مراكز القوّة التي فقدت الأمل بالفوز بالانتخابات، والتي تبذل قصارى جهدها لجرّ البلاد إلى الفوضى». ويقول برلاس إن «الأكاذيب ستزداد، لكنّنا سنذهب إلى الانتخابات وسيتّخذ الناخبون قرارهم الأهمّ في هذا القرن».
يبدو أن قيادة الجيش كانت مربكة إزاء التعامل مع الزلزال


وعلى الضفة الموالية أيضاً، يتّهم الكاتب يعقوب كوسيه، في صحيفة «ستار»، أحزاب المعارضة بأنها «تناست هموم المنكوبين واحتياجاتهم ولم يَعُد لها مِن همٍّ سوى الانتخابات». ويرى أنه «لا يمكن توقُّع الإنسانية والتفرّغ لإنقاذ المحتاجين ممَّن ينشرون الأكاذيب وهم يعتقدون أن الزلزال أصاب إردوغان وأنهم سيهزمونه. بل يردّدون الأكاذيب بأن إردوغان سيؤجّل الانتخابات، فيما هو لم يهرب من أيّ انتخابات». ويشير الكاتب أيضاً إلى ما يسمّيها «الأكاذيب الغربية عن أن الزلازل مشهورة بتغيير نتائج الانتخابات، وأن إردوغان سيخسرها. هذا من وعود جو بايدن بأن إردوغان سيُهزَم، بدلاً من أن يعيد مبلغ الـ 1.3 مليار دولار التي دفعتها تركيا من ثمن طائرات «إف-35» التي امتنعت أميركا عن بيعها لنا»، خاتماً بالقول إن «تاريخ البشرية مليء بقصص الصيادين وهم في طريقهم للصيد».
وبعد مضيّ أسبوعين على وقوع الزلزال، زار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تركيا، حيث التقى نظيره مولود تشاووش أوغلو. وتُعدّ هذه الزيارة هي الأولى لبلينكن إلى هذا البلد منذ تولّيه الوزارة قبل أكثر من سنتين ونصف سنة. وإذا ما أضيف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، لم يَزُر تركيا أبداً بخلاف العادة السارية، يمكن حينها إدراك عمق الخلافات بين أنقرة وإدارة بايدن، الذي فضّل القيام بزيارة خاطفة إلى أوكرانيا، حيث التقى رئيسها فولوديمير زيلينسكي. وعلى الرغم من الجولة التي قام بها بلينكن بـ»الهليكوبتر» مع نظيره التركي فوق المناطق المتضرّرة بالزلزال، فقد بدت الخلافات واضحة في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقداه بعدها. وإذ شدّد الوزير الأميركي على أهميّة العلاقة التركية - الأطلسية، كان تشاووش أوغلو حاسماً لجهة أن الولايات المتحدة تقوم بخطوة خاطئة وفادحة بدعمها «حزب العمّال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا. وأبدى بلينكن «تفهُّما» لهواجس تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية، متعهّداً بـ«العمل معاً في الوقت الحالي». وأكد تشاووش أوغلو أن تزويد الولايات المتحدة تركيا بطائرات «إف-16» سيكون مفيداً للطرفين، ليردّ بلينكن بأن إدارته ستبذل جهدها لدى الكونغرس لرفع الحظر عن بيع الطائرات لأنقرة.
ويكاد معظم المراقبين يتّفقون على أن بلينكن أراد من زيارته لتركيا، وتقديم دعم بقيمة مئة مليون دولار، استجلاب تجاوب تركي مع طلب واشنطن تسهيل عملية دخول السويد وفنلندا معاً إلى «حلف شمال الأطلسي» بعد حادثة إحراق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في استوكهولم. لكن يبدو أن واشنطن لم تحصل على مرادها، وبقيت أنقرة على موقفها، مع اعتراف بلينكن بالتباين في المواقف، قائلاً إن «الدول لا يمكنها الاتفاق على كلّ قضيّة. وسنواصل الجلوس معاً كأصدقاء وحلفاء، ونحن في القضايا الأمنية نعمل جنباً إلى جنب». وأعطى التقارب التركي الأخير مع اليونان وأرمينيا مثالاً على الأهمية الأمنية للتعاون بين تركيا و«الناتو»، ولا سيما في المجال الجوّي العسكري. غير أن تشاووش أوغلو رفض الشروط الأميركية المسبقة لبيع أنقرة طائرات «إف-16»، لأن ذلك، بحسبه، «لن يكون صائباً»، قائلاً إن «السويد وعلى رغم بعض الإيجابيات، لا تزال تحضن نشاطات حزب العمال الكردستاني، والأمر لدخول الأطلسي هو بيد السويد، ويجب تشجيعها على اتّخاذ خطوات ملموسة».