ليالٍ دامية قضاها أهالي ريف حماه الذي اشتعل برمّته على جميع المحاور. موقع المدينة الواقع بين إدلب شمالاً وحمص جنوباً، جعلها مفتوحة على مسلحي المدينتين وريفهما، فمن السلمية شرقاً، مروراً بمورك في أقصى الشمال، وليس انتهاءً بمحردة وما حولها إلى الشمال الغربي.
كل الخيارات المتاحة أمام الحمويين هو تفضيل مذبحة على مذبحة، إذ إن حال أهالي سلمية ليس أفضل من حال سكان محردة الذين لم يكن أمامهم سوى النزوح في اتجاه بلدة السقيلبية القريبة وريف حمص الغربي. المسلحون باتوا على أبواب البلدة «المسيحية الموالية بغالبيتها للنظام»، كما تتهمها وسائل إعلام المعارضة. مصدر ميداني أكد لـ«الأخبار» أن «رجال البلدة حملوا سلاحهم وتمركزوا داخلها، بهدف الدفاع عنها، أسوة برجال الجيش الذين يقفون على مشارفها، محصِّنين حواجزها الدفاعية، التي تشهد هجوماً عنيفاً لا يبدو أنه قد يتوقف قريباً». محورا البلدة الجنوبي والغربي هما الأكثر عنفاً، باعتبارهما يتجاوران مع أكبر نقاط تجمع لمسلحي الجوار الذين يشرفون مباشرة على البلدة. معركة «تحرير حاجز المجدل» أطلقها المسلحون المهاجمون باتجاه محردة، انطلاقاً من مستودعات رحبة خطاب المجاورة، التي تحتوي على معامل لتصنيع ذخيرة الجيش ومخازن مهمة، والتي سيطر عليها مسلحو «جبهة الحق المقاتلة» التابعة للجبهة الإسلامية منذ أيام.
لا يقتصر اشتعال
الريف الحموي على
بلدتي مورك ومحردة

المعركة بدأت ضمن سلسلة عمليات للمسلحين عُرفت باسم «غزوة بدر الشام الكبرى». حاجز المجدل الواقع جنوبي غربي محردة، على طريق عام حماه، شهد دفاعاً مستميتاً من عناصر الجيش السوري المرابطون على مشارف البلدة. قوات الجيش فتحت النار بشكل متواصل على مشارف بلدتي الجلمة وتل ملح بهدف تأمين الطريق بين محردة والسقيلبية نحو الشمال الغربي. المسلحون الذين أطلقوا على أنفسهم «ثوار بدر الشام»، حسب اسم غزوتهم في ريف حماه، خسروا قائد كتيبة «درع المصطفى» الملقب بـ«أبو فريدة»، والذي قتل خلال المعارك على مشارف محردة، بحسب مصدر عسكري.
وصدّ الجيش أمس محاولة تسلل من قبل المسلحين إلى محيط قرية الشير وحاجز المجدل ومحيط رحبة الخطاب في ريف حماه الغربي. وأدّت الاشتباكات إلى مقتل القائد الميداني لكتيبة «زين العابدين» التابعة لـ«حركة أحرار الشام» في رحبة الخطاب عمار علي الخليل، إضافة إلى مقتل القائد الميداني لـ«لواء المعتز بالله» التابع لـ«الجيش الحر» بشار أبو عابد.
مصادر أهلية أوضحت لـ«الأخبار» أن «نازحو محردة باتجاه السقيلبية يتابعون أخبار المنطقة بكثير من القلق، إذ إن المسلحين أمطروا سماء بلدة سلحب المجاورة، غرب محردة، بعشرات القذائف الصاروخية، ما أشعل الحرائق في الأراضي الزراعية ودمّر منازل عدّة».
وتتجدد خطورة الموقف في محردة، التي تعتبر رأس المثلث البشري الآمن الواصل بين السقيلبية وسلحب مع طريق حماه، بسبب قربها من بلدة مورك في أقصى الشمال الحموي. مورك التي لا تبعد عن وسط مدينة حماه أكثر من 30 كلم شمالاً، تمتد على مساحة 68 ألف دونم مزروعة بأشجار الفستق الحلبي. وتبدو معاركها أشد معارك ريف حماه شراسة، إذ إن استماتة الجيش والمسلحين واضحة للسيطرة على خطوط إمداد المسلحين الوحيدة من تركيا باتجاه ريف حماه.
استهداف الجيش المتكرر لتلة مورك وسوق الفستق وتلة الصياد (التي تعتبر أهم محاور المسلحين)، توضح خطته في حربه المعلنة على البلدة الاستراتيجية المطلة على بلدة كفرزيتا والطريق الدولي وطريق طيبة الإمام ــ حلفايا. أول أهداف الجيش عزل البلدة عن كفرزيتا، قبل القضاء على مسلحيها وإعلانها آمنة.
ولا يقتصر اشتعال الريف الحموي على بلدتي مورك ومحردة، إذ تنضم بلدة سلمية، 33 كلم شرقي حماه، إلى دائرة الخطر. مسلحون تسللوا إلى قرية المزيرعة، غربي سلمية، وحيث ارتكبوا مجزرة بحق عائلة «أبو القاسم»، التي قضى منها 7 أشخاص، بينهم طفلان. المجزرة جرت بعد ساعات من تسلل مسلحين آخرين إلى بلدة سريحين القريبة، التي تبعد عن حماه 5 كلم شرقاً، وقتل مختار القرية أحمد رجب كنعان. أصابع الاتهام اتجهت في الحادثتين نحو تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولا سيما بعد اختطاف 3 من أفراد عائلته، بينهم ضابط سابق في الجيش.
وفيما ترزح قرى بلدة مصياف، التي تبعد عن حماه 45 كلم غرباً، تحت وطأة جثامين شهداء الجيش من أبنائها يومياً، لا تظهر أية بوادر للهدوء في بقية أنحاء الريف المنكوب. بلدة الربيعة، بدورها، عرضة للصواريخ من قرية معرزاف شمالاً، الواقعة تحت سيطرة المسلحين. صواريخ المسلحين تأتي بعد محاولتهم اقتحام قرية أرزة القريبة. ويشرف مطار حماه العسكري على بلدة الربيعة، التي تبعد عن مركز مدينة حماه 15 كلم جنوباً، وتعتبر عصباً رئيسياً في مدّ الجيش السوري والقوى الأمنية بالعناصر والضباط.