انتظرت الولايات المتحدة مرور أربعة أيّام على وقوع الكارثة، لإعادة تفسير فحوى «برامج عقوباتنا» التي جدّدت القول - عبر وزارة خارجيتها - إنها «لا تستهدف المساعدات الإنسانية، وتسمح بالأنشطة الداعمة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام». وإنْ كان التفسير المتقدِّم مكروراً ولا يتضمّن أيّ جديد، إلّا أن تأخيره أربعة أيّام كان يمكن خلالها تقديم العون اللازم، ووصول المساعدات الأكثر إلحاحاً لانتشال العالقين من تحت الأنقاض، وربّما نجاة كثيرين من الذين لم يَعُد الحظّ حليفهم، مع دخول نكبة السوريين الجديدة بازار السياسة، يجلّي كيفيّة استخدام أدوات الهيمنة، حتى في أحلك الأوقات وأمرّها. وفي اليوم الرابع على «الزلزال العظيم»، غَسلت أميركا يدها من دماء كثيرة سالت بفعل العقوبات والحصار وخطوط الحرب التي وإنْ لم تميّز بين منطقة وأخرى في المصاب الذي ألمّ بالسوريين كما الأتراك، فهي ظلّت حاضرة لدى صنّاع القرار الأميركيين، بعدما تبيّنوا أن لا استثناءات إلّا بأمرنا. وهكذا، تمخّض الانتظار المرير، في هذا اليوم أيضاً، الخميس، عن «استثناء من العقوبات يتعلّق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدّة 6 أشهر»، أخرجته وزارة الخزانة الأميركية المنوط بها السهر على إطباق الخناق على سوريا، من خلال «قانون قيصر».وفي الاستثناء الساري، فإن «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» التابع لوزارة الخزانة، (OFAC)، منح ما سمّاه «ترخيصاً عاماً» رقمه 23، يأذن، على مدى 180 يوماً، بجميع المعاملات المتعلّقة بالإغاثة من الزلزال، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات الخاصة بسوريا. وجاء فيه أيضاً، على لسان والي أدييمو، مساعد وزيرة الخزانة جانيت يلين، بعد تقديم «خالص تعازينا للشعبَين التركي والسوري على الخسائر المأسوية في الأرواح والدمار الذي أعقب الزلازل المدمّرة»، أنه «فيما يتجمّع الحلفاء الدوليّون والشركاء في المجال الإنساني لمساعدة المتضرّرين، أودّ أن أوضح أن العقوبات الأميركية على سوريا، لن تقف في طريق جهود إنقاذ حياة الشعب السوري»، ذلك أن «برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قويّة خاصّة بالجهود الإنسانية. ومع ذلك، أصدرت وزارة الخزانة، اليوم (الخميس)، ترخيصاً عاماً شاملاً لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال، حتى يتمكّن أولئك الذين يقدّمون المساعدة من التركيز على ما هو أهمّ: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء». وبحسب الوزارة، فإن تخفيف العقوبات وحده «لا يمكن أن يحجب التحدّيات الهيكليّة طويلة الأمد والتكتيكات الوحشية لنظام الأسد، لكنّه يمكن أن يضمن أن العقوبات لا تمنع المساعدة المنقذة للحياة واللازمة بعد هذه الكارثة». وعليه، «يتوسّع هذا التفويض الجديد في الإعفاءات الحالية من العقوبات المعمول بها بالفعل في سوريا للمنظّمات غير الحكومية، والمنظّمات الدولية، والحكومة الأميركية»، كما يَرِد في البيان. وفي اليوم نفسه، أكدت الولايات المتحدة عبر حساب سفارتها في سوريا، أن «برامج عقوباتها المفروضة على النظام السوري لا تستهدف المساعدات الإنسانية»، وأن «واشنطن تسمح بالأنشطة الداعمة للمساعدات الإنسانية بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري»، وأنها ملتزمة «بتوفير المساعدات الإنسانية الفورية والمنقذة للحياة بهدف مساعدة المجتمعات المتضرّرة على التعافي من الكارثة».
حتى الآن، أصرّت الولايات المتحدة على المُضيّ قُدُماً في سياستها المعمول بها لمعاقبة النظام السوري


حتى الآن، أصرّت الولايات المتحدة على المُضيّ قُدُماً في سياستها المعمول بها لمعاقبة سوريا، لأنه سيكون من المفارقة، وفق ما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، «أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشيّة على مدار أكثر من عشر سنوات، باستخدام الغازات، وذبحهم، وهي تتحمّل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يقاسونها». فبدلاً من ذلك، «لدينا شركاء إنسانيّون على الأرض يمكنهم تقديم نوع المساعدة في أعقاب هذه الزلازل المأساوية، هؤلاء الشركاء الإنسانيون الذين نشطوا على الأرض منذ الأيّام الأولى للحرب، فيما لم يُظهر الأسد أبداً أيّ مَيْل لوضْع رفاهية شعبه ومصلحته في المقام الأوّل». ومِثله، كرّر الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن المساعدة الأميركية لسوريا ستكون عبر مَن سمّاهم «الشركاء الإنسانيين» المدعومين من الولايات المتحدة، أي الإبقاء على «قانون قيصر» سيفاً مصلتاً على رقاب السوريين، وإغاثة مَن ترى أميركا أنه يستحقّ الحياة.
وربّما أحسّت الولايات المتحدة، قبل بيان «خزانتها» المتأخّر جدّاً، بأن الانتقادات بدأت تمسّ جوهر «مبادئها»، فحتّى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حذّر من أن العقوبات تعوّق الجهود المبذولة لإيصال المساعدات في سوريا، مشدّداً على أنه «لا ينبغي أن تتداخل العقوبات مع جهود الإغاثة في سوريا، حيث تتعامل البلاد مع تداعيات الزلزال المدمّر»، وأنه يجب «ترْك السياسة جانباً لإنقاذ المدنيّين العالقين تحت الأنقاض» هناك. وعلى المقلب الآخر، أُرسلت فرق أميركية إلى تركيا، ونحو 77 طنّاً من الأدوات والمعدات الخاصّة لمواجهة آثار الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد. وتعليقاً على هذه المساعدات، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان - بيار، إنها شملت: كسّارات الخرسانة، ومناشير، ومثاقب، وأدوات تقطيع المعادن بالأوكسجين ومعدات طبيّة، موضحةً أن فريق البحث والإنقاذ الأميركي يواصل أعماله في المناطق التركية المنكوبة، وأن بلادها تقف إلى جانب تركيا في محنتها، وأنها ستواصل تقديم مساعداتها لها؛ وكلّ ذلك في ظلّ حاجة سوريا الملحّة إلى أوسع دعم ممكن بالمعدّات والاختصاصيين، وحتى الوقود، لإغاثة المنكوبين العالقين تحت الركام، والذين تتضاءل فرص نجاتهم يوماً بعد آخر.