تكشف الزلازل ما تحت التربة وما فوقها، وكذلك نوعية تلك التربة، وهذا ينطبق على الزلازل الطبيعية وتلك الاجتماعية. أمّا عندما يحصل زلزال طبيعي في مجتمع يعيش حالة انفجار وأزمة منذ دزينة من السنين، فإن هذا الزلزال في الطبيعة يكون كاشفاً لمكنونات هذا المجتمع وكذلك لعلاقات الخارج معه.لا يمكن لهذا النص أن يكون تحليلياً، بل هو أقرب إلى نص تسجيلي لوقائع أو مقاربة لها. لا يدّعي هذا النص أكثر من أنه مقاربة تصيب وتخطئ.
أوّل ما يمكن رصده، من خلال صفحات "فايسبوك"، هو تفاوت ردود فعل السوريين تجاه ما حدث، بين من هم في مناطق سيطرة السلطة السورية، ومن هم خارج سيطرتها، فليست مشاعر من هنا ومن هناك موحدة. كما أن من هم في الداخل ليست مشاعرهم متطابقة مع من هم خارج الحدود في دول اللجوء، وهو ما يعطي انطباعاً بأن جروح ما حصل منذ عام 2011 ما زالت تفعل فعلها في تشكيل الموقف حتى تجاه وضع سوريين تضرّروا وماتوا وجرحوا بفعل الطبيعة. طبعاً لا يمكن التعميم، ولكن يمكن رصد ما يؤيد هذا القول من خلال صفحات "الفايسبوك"، التي إمّا تحوي في الغالب مشاعر متناقضة أو أنها لا تهتم سوى بما جرى لأهلها أو لمناطق تسكن بها، مع أنه يمكن رصد حالات سورية عديدة يعتصرها الألم على كل سوري فقد أو جرح أو تضرّر بغضّ النظر عن موقعه الجغرافي أو موقعه السياسي، ولكن هذه الحالات ليست هي الأكثرية. في مجتمعات منقسمة وعانت من حمامات دم، مثل لبنان، لم نجد هذا الانقسام في المشاعر تجاه انفجار مرفأ بيروت، بل كان هناك توحّد وطني، على الأقل في الأسابيع الأولى للكارثة.
الأمر الثاني، يلاحظ عدم توحّد سوري، بل توزع، حسب موقع الموالاة والمعارضة، تجاه موضوع رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وإن كان هناك معارضون عارضوا بالأصل العقوبات الدولية منذ فرضها في نهاية عام 2011، بما فيها "قانون قيصر"، ولكن عندما نتفحّص صفحات "الفايسبوك" نرى أن الانقسام تجاه رفع تلك العقوبات بمناسبة الزلزال الأخير ما زال يفعل فعله، ولم يغيّر ما جرى في يوم 6 شباط كثيراً في توزع تلك الخريطة للآراء.
الأمر الثالث، هو التضامن الاجتماعي القوي الذي وجد في المناطق التي أصابها الزلزال، ولكن يلاحظ أن هذا التضامن يشمل الفقراء والمتوسطي الدخل، ولا يلاحظ عند الأغنياء، وخاصة الأغنياء الجدد، تجاه من تضرر أو أصيب، وهناك مبادرات اجتماعية، في الإيواء والإطعام ورفع الأنقاض، يجب أن ينحني الجميع تحية لها.
أول ما لفت النظر كان اتجاه وسائل إعلام، أجنبية وعربية، على الأقل في اليوم الأول، لتقديم رقمين منفصلين عن القتلى والجرحى السوريين


في ما يتعلق بتعامل الخارج مع الزلزال السوري، فإن أول ما لفت النظر كان اتجاه وسائل إعلام، أجنبية وعربية، على الأقل في اليوم الأول، لتقديم رقمين منفصلين عن القتلى والجرحى السوريين، واحد عن مناطق الزلزال الخاضعة لسيطرة السلطة السورية وآخر عن المناطق التي هي خارج سيطرتها، وهذا بالتأكيد ليس بريئاً أو أتى بالمصادفة، بل له أغراض، وإن كان يلاحظ في اليوم الثاني اتجاه تلك الوسائل الاعلامية إلى تقديم رقم سوري واحد.
الأمر الثاني، أن اهتمام الخارج الدولي، وحتى بعض العرب، كان منصبّاً على ما حدث من زلزال في تركيا وليس على الزلزال السوري، وحتى ولو سلّمنا بأن أضرار الزلزال التركية هي أكبر من سوريا فإن هذا لا يمكن تفسيره بالوقائع الزلزالية، بل بالمصالح السياسية وبالجغرافية السياسية.
الأمر الثالث، أن حدثاً من فعل الطبيعة كهذا لم يرقّق المشاعر الإنسانية تجاه ضحايا ومشرّدين، ولم يغيّر أو يزحزح المواقف السياسية التي كانت قبله، يثبت بأن العلاقات الدولية، أو ما يسمّى بـ"المجتمع الدولي"، تحكمه قوانين الغاب مثل أي غابة، بل ربما أشد وحشية، وأنه لا يوجد حقوق أو عواطف في تلك الغابة إن لم تسندها القوة أو المصالح.
الأمر الرابع، أن اصطفافات القوى الدولية والإقليمية تجاه الأزمة السورية، عندما لا يزحزحها حدث كزلزال 6 شباط السوري، فإن هذا يعني بأن الصراع على سوريا ما زال شديداً وقوياً بين معسكر روسي - إيراني يحاول استمالة إردوغان، وبين واشنطن التي وراءها دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وإن كانت تتردّد بين هذين الطرفين تجاه الأزمة السورية دول مثل السعودية ومصر والإمارات والأردن.
كتكثيف: ما حدث في 6 شباط 2023 كان مساعداً على تمظهر جوانب من الأزمة السورية البادئة ما بعد يوم 18 آذار 2011. يجب دراسة ذلك من دون عواطف أو انحيازات سياسية، ومن دون تزويقات أو محاولات تغطية، لأن مواجهة الوقائع هي الطريق الأفضل من أجل تجاوز الواقع القائم.

* كاتب سوري