«تتحرّك دكةُ غسلِ الموتى، أمّا أنتم فلا تهتزُّ لكم قصبة»[النواب]

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة جوية لحركة الطيران الدولي في أجواء شرق البحر المتوسط بعد ساعات من وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال شرق سوريا؛ تظهر في الصورة سماء سوريا خالية تقريباً من حركة الطيران، فيما ازدحمت السماء التركية بالطائرات التي تنقل المساعدات! وشاعت في تلك الآونة «طرفة» سوداء تقول إن الحكومات العربية والإسلامية «توجّه تعازيها إلى سوريا والمساعدات المادية إلى تركيا»! لا ريب أن الشعب التركي الجار المنكوب يستحق المساعدة، ولكن النقد واللوم ينصبّان على تردد وإحجام الدول العربية والإسلامية والغربية، وخصوصاً تلك المتشدقة بحقوق الإنسان والديموقراطية، في تقديم الدعم والمساعدات الطارئة إلى الشعب السوري الذي لا تقلّ نكبته وخسائره عن تلك التي حلّت بتركيا فداحةً وفي ظروف أقسى هي ظروف الحرب المدمرة والطويلة (من الأمثلة المهينة على هذه المساعدات من الدول الغربية، أعلنت ألمانيا أنها ستتبرع بمليون دولار للشعب السوري!).
إنّ المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دول عربية وغير عربية، كانت قليلة جداً ورمزية وتهدف إلى إبراء الذمة ورفع العتب غالباً. ويسجل للحكومة الجزائرية أنها كانت أوّل المبادرين وفي الساعات الأولى التي تلت الكارثة إلى إرسال المساعدات دون تردد أو انتظار موافقة من أحد!
كما أن استمرار الحصار الأميركي على سوريا ضمن «عقوبات قيصر» وسرقة ثرواتها من نفط خام وحبوب غذائية جهاراً نهاراً من قبل القوات الأميركية المحتلة والمفاضلة بينها وبين دولة أخرى منكوبة بالزلزال هي تركيا والتي غمرتها المساعدات من كل حدب وصوب (وشعبها الجار المنكوب يستحق تلك المساعدات كما أسلفنا)، وتردد أو امتناع دول تابعة عن إرسال المساعدات مباشرة إلى سوريا الشقيقة والمحاصرة، لدرجة جعلت لبنان يضع مطار بيروت تحت تصرف سوريا كبديل لمطار دمشق، كما نقلت الأنباء؛ كل هذه التفاصيل كشفت، بضربة واحدة، عن السقوط الأخلاقي والمعنوي النهائي لما يسمّى العالم الحر ومعه سقوط الضمير الجمعي للقيادات العربية الحاكمة!
كل هذه التفاصيل كشفت، بضربة واحدة، عن السقوط الأخلاقي والمعنوي النهائي لما يسمّى العالم الحر ومعه سقوط الضمير الجمعي للقيادات العربية الحاكمة


أمّا الحكومة العراقية، فقد تردّدت طويلاً ولساعات عديدة قبل أن تعلن أنها ستنشئُ جسراً جوياً لنقل المساعدات الطارئة إلى دمشق، ثم تبيَّن لاحقاً أن هذا «الجسر الجوي» تألف من طائرتين وصلتا فعلاً، ولم تبادر بغداد حتى الآن إلى إرسال قوافل برية للإمداد بالغذاء والوقود والدواء إلى سوريا كما كان ينتظر وكما فعلت الحكومة السابقة مع لبنان عندما حدثت كارثة انفجار مرفأ بيروت، فأرسلت قوافل الوقود عبر سوريا نفسها! ويبدو أن بضع شاحنات قد أرسلت لاحقاً من بغداد في نهاية ذلك النهار الحزين، وسارع المدافعون عن الحكومة إلى نشر صورها على مواقع التواصل، رغم أن الجهات الرسمية لم تعلن عن إرسالها رسمياً في ما يبدو أنها محاولة لتفادي غضب السيد الأميركي! إنها سوريا التي آوت واحتضنت وأطعمت حكام بغداد الحاليين أيام كانوا «يدوحون» كمعارضين ولاجئين من بطش حاكمهم المستبد في شوارع دمشق ويعرضون خدماتهم على السفارات الغربية لاحقاً! فهل يحتاج الأمر إلى موافقة هاتفية مباشرة من الكاوبوي العجوز جو بايدن (كما فعل قبل أيام حين هاتف السوداني بحضور الملك الأردني وأمره بتنفيذ مشروع أنبوب نفط البصرة العقبة دون إبطاء وإلّا!) حتى يتحرّك رؤساؤهم ويقوموا بواجبهم في إغاثة الشقيقة سوريا وكسر الحصار الغربي المفروض على شعبها كسراً مباشراً وسريعاً؛ إنَّ أيّ تهاون أو تردد في أداء هذه المهمة لن يكون أقل سوءاً وإيلاماً من الزلزال المدمر ذاته!
قضية أخرى تواصل جميع الأطراف المعنية إهمالها وعدم الالتفات إليها رغم خطورتها، ألا وهي مستوى سلامة وأمن السدود التركية العملاقة والبحيرات الاصطناعية خلفها على نهرَي دجلة والفرات والواقعة في منطقة نشاط زلزالي مستمر، وضرورة إيلاء هذه القضية أهمية خاصة واستثنائية بهدف تفادي أي كوارث محتملة قد تفوق في خطورتها الزلزال نفسه إذا انهار أو تصدّع أحد هذه السدود بفعل الزلزال، وهذا ما حذّرت منه أوساط علمية دولية وعربية منذ زمن طويل وعادت ونبّهت إلى خطورته بمناسبة زلزال مرعش المدمر الأخير. وفي هذا الصدد، يؤكد الخبراء المتخصصون أنَّ انهيار سدّ واحد منها يعقبه انهيار إحدى البحيرات ستتبعه سلسلة انهيارات للسدود الأدنى منه بما يؤدي إلى حدوث طوفان حقيقي لا أسطوري هذه المرة، قد يكون كفيلاً، بحسب المتخصصين، بإغراق العراق من شماله إلى جنوبه ومناطق شاسعة من الشرق الأوسط نزولاً حتى منطقة الخليج العربي. وقد تحدث أحد الخبراء العراقيين - أصبح وزيراً للموارد المائية العراقية لاحقاً - وقال: «إنّ انهيار سدّ أتاتورك فقط سيقذف بنصف العراق إلى الخليج العربي»!

*كاتب عراقي