تُتابع الحكومة السورية والمنظّمات العاملة في شمال غربي البلاد (حيث المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة) تحديث بياناتها المتعلّقة بنتائج الزلزال المدمّر، الذي تسبّب بانهيار مئات المباني، وقضى على حياة مئات السوريين، وأدّى إلى إصابة الآلاف منهم، في وقت بقيت أعداد غير معروفة حتى الآن من العالقين تحت الركام، الذين ينتظرون مَن يُخرجهم قبل أن يفارقوا الحياة، أو يُخرج رفاتهم إذا ما كانوا قد قضوا نحبهم فعلاً.وتوقّفت عمليات الحفر بواسطة الآليات الثقيلة في مواقع عدة شهدت انهيارات لأبنية هوَت خلال الزلزال، سواءً في حلب أو اللاذقية أو حماة أو إدلب، وذلك بعد سماع أصوات أشخاص عالقين، الأمر الذي تطلّب حفراً من نوع مختلف وتقنيات معظمها غير متوافرة. ولذا، بقي الحلّ الوحيد هو الحفر بالأيدي، في وقت علَت أصوات المنظّمات الإنسانية والمجتمعية السورية مطالِبة برفع حصار ساهم في مضاعفة آثار الكارثة؛ إذ أعاق النقص في الوقود عمل سيارات الإسعاف والحافلات والآليات، ومنعت العقوبات محاولة كثيرين جمْع وإرسال مساعدات مالية. وبالفعل، انتشرت صورة مؤلمة من أحد تطبيقات تتبّع الطائرات تُظهر سوريا بأجواء فارغة، تراقب جارتها المنكوبة تركيا وقد تحوّلت إلى محجّة لطائرات المساعدات.
«العجز» و«الخوف»، هما الكلمتان اللتان تكادان تكونان الأكثر ترداداً على ألسنة السوريين اليوم، بعد أن خرج معظم سكّان المحافظات الأربع المنكوبة من المنازل، وقصد بعضهم الساحات والحدائق العامة، فيما لجأ آخرون إلى مراكز إيواء مؤقّتة تمّ إعدادها على عجالة، ووجدَ قسم ثالث أنفسهم في منازل الأقرباء الريفية، أو المنازل المؤلَّفة من طبقة واحدة. وكانت موجات الذعر بدأت فجر الإثنين، عندما وقع الزلزال الأشدّ (7.8 على مقياس ريختر)، والذي تلاه بعد ساعات قليلة زلزال آخر في المنطقة نفسها بلغت قوّته 7.5 درجات، لتَعقب ذلك عشرات الهزّات الارتدادية، والتي أدّت إلى توسُّع دائرة الدمار.
ولم يكد السوريون يبدؤون بتلمّس آثار فاجعتهم، حتى فاجأهم زلزال ثالث في الساعة الواحدة والنصف تقريباً من بعد ظهر يوم الإثنين، قال «المركز الوطني السوري للزلازل» إن قوّته بلغت 7.7 درجات على مقياس ريختر، ليكمل ما بدأه الزلزالان السابقان من تدمير، ويدفَع مَن حاول البقاء في منزله إلى الخروج والبحث عن مكان آمن. وتَرافقت الزلازل الثلاثة، وما تَبعها من هزّات ارتدادية وصلت قوّة بعضها إلى نحو 5 درجات على مقياس ريختر، مع عواصف مطرية ورعدية، وتساقُط للبرَد، وانخفاض في درجات الحرارة، ليجد مَن خرج من بيته هرباً من الموت، نفسه محاصَراً بين أرض قد تبتلعه وسماء توشك أن تُطبق عليه، ومئات الاتصالات التي تُبلّغ عن ضحايا ومصابين ومفقودين.
حاول ناشطون سوريون يقيمون في الخارج تنظيم حملات جمع تبرّعات عبر مواقع متخصّصة بذلك


وبدأت المؤسّسات الحكومية والمنظّمات الإنسانية والإغاثية والمجتمعية، منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال، عملاً يفوق طاقتها، في ظلّ النقص الحادّ في الإمكانات، سواءً بسبب الحرب وما رافقها من تدمير، أو بسبب العقوبات التي أعاقت إعادة تعويض ما تمّ فقدانه، بالإضافة إلى عرقلتها وصول الإمدادات التي تحتاجها سوريا من الوقود اللازم لتشغيل الآليات، في وقت يحتلّ «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، المناطق النفطية في الشمال الشرقي من سوريا، ويمنع وصول النفط إلى دمشق.
وبينما أعلنت عواصم عربية وعالمية عدة تضامنها مع سوريا في مُصابها، منعت العقوبات الأميركية عدداً كبيراً من الدول التي أبدت استعدادها لإرسال مساعدات، من إيجاد آلية يمكن من خلالها إرسال هذه المعونات. ووفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فقد حطّت في سوريا، حتى ظهر أمس، ستّ طائرات فقط (سُجّل وصول طائرات إضافية في فترتَي العصر والمساء)، في وقت بدأت «السورية للطيران» وشركة «أجنحة الشام» السورية الخاصة، والخاضعة بدورها للعقوبات الأميركية، عمليات نقْل ما يمكن نقْله من المساعدات، وفق إمكاناتها المتاحة. كذلك، بدأت دول عربية إرسال طواقم فنّية وإغاثية للمساعدة في عمليات إنقاذ العالقين تحت الركام، كما أعلن العراق إرسال قافلة من الوقود إلى سوريا، وفتَح لبنان مطار ومرفأ بيروت، بالإضافة إلى مرفأ طرابلس، لاستقبال المساعدات المرسَلة إلى البلد المنكوب، بشكل عاجل، بعد إعفائها من الرسوم والجمارك.
بدورهم، حاول ناشطون سوريون يقيمون في الخارج تنظيم حملات جمع تبرّعات عبر مواقع متخصّصة بذلك، غير أن معظم المحاولات باءت بالفشل بعد قيام تلك المواقع بإغلاق الحملات بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية. وطالبت «منظّمة الهلال الأحمر السوري»، من جهتها، الدول الغربية برفع العقوبات أحادية الجانب. وقال رئيس المنظّمة، خالد حبوباتي، في مؤتمر صحافي، إن «العقوبات الاقتصادية الغربية والحصار الجائر المفروض على سوريا يشكّلان العائق الأساسي أمام مواجهة تداعيات الزلزال المدمّر»، مشدّداً على ضرورة رفْعهما وتقديم المساعدات اللازمة لتجاوز الآثار الكارثية للزلزال.