لا يكاد يمرّ يومٌ إلّا ويَخرج فيه إيتمار بن غفير بتحفة جديدة من بنات أفكاره الفاشية، في إطار مسار «انقلابي» بدأه منذ صعوده إلى وزارة «الأمن القومي» الإسرائيلي، تتمثّل آخر محطّاته في تسهيل «ترخيص أدوات إطلاق النار» لصالح المستوطِنين. وعلى الرغم من أن جمعيات إسرائيلية بدأت تُعلي أصواتها من مغبّة أن يفضي ذلك المسار إلى «نتائج كارثية»، فإن بن غفير لا يبدي أيّ تهاوُن فيه، منظِّراً لخطواته بأهمّيتها في درء العمليّات الفدائية الفلسطينية، ومضيفاً بهذا لبِنة جديدة على طريق قيام «دولة ميليشيَويّة» مُوازية للشرطة، كانت «سريّة برئيل» التي أسّسها زعيم حزب «قوّة يهودية» نفسه في النقب، باكورتها الأولى

لا يتوقّف وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عن «إدهاش» العالم بجنونه، بعدما دأب، طيلة السنوات السابقة لصعوده إلى السلطة، على التصرّف وكأنه «بطل» في أحد أفلام «الأكشن»، كاشفاً عن الوجه الحقيقي لدولته، والذي تجلّى جانب منه في إشهار بن غفير مسدّسه مرّات عديدة في حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلّة، وفي وجه حرّاس مَرْأب فلسطينيين في تل أبيب. يوم الأربعاء، عَقد زعيم حزب «قوّة يهودية» اجتماعاً مع مسؤولي دائرة منْح تراخيص الأسلحة، بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، مهدِّداً هؤلاء بأنه في حال عدم إيجادهم حلّاً لمعضلة عشرات الآلاف من الرُّخص المعلَّقة في غضون يوم واحد، فـ«سيقوم بإغلاق الدائرة»، علماً أنه كان، في اليوم نفسه، أمَر، لدى «اكتشافه» حقيقة قيام الأسرى الفلسطينيين بصُنع الخبز الطازج بأنفسهم خلْف قضبان معتقَلاتهم، بإغلاق تلك الأفران التي عدّها بن غفير «مصيبة وجنوناً». ولم تكد تمرّ ساعات على هذه الخطوات، حتى أعلن الوزير الفاشي، الخميس، سلسلة إجراءات دراماتيكية في دائرة منْح التراخيص، من بينها تعزيز قِواها البشرية بمزيد من الموظّفين، الذين سيسهّلون عملية منْح رُخص حمْل الأسلحة النارية لآلاف الإسرائيليين شهرياً. وطبقاً لِمَا ذكره موقع «كول حاي» العبري، فقد أقرّ بن غفير مضاعفة عدد الموظفين الحالي، وزيادة عدد ساعات وأيّام العمل، وتكثيف المقابلات الوجاهية التي تُجرى مع مُقدِّمي الطلبات كلّ ساعة. أمّا الإجراء الأخطر، فتَمثّل في إعفاء كلّ عناصر الأجهزة الأمنية والعسكرية من المقابلات، ومنْحهم التراخيص مباشرةً، بما يشمل جنود الجيش، وعناصر «حرس الحدود» والشرطة، وعناصر «الموساد» و«الشاباك» و«مصلحة السجون»، ورجال الدفاع المدني (الإطفاء).
وإذ كان 17 ألف إسرائيلي قد قدّموا طلبات للحصول على تراخيص لحمل السلاح، بحسب «كول حاي»، الذي أفاد بأن ملفّات هؤلاء لا تزال قيْد المعالجة في القسم، فقد وضع بن غفير «ديد لاين» (موعداً نهائياً) للبتّ بما بين 5 آلاف و8 آلاف طلب في الشهر، وصولاً إلى تخليص جميع الملفّات العالقة، والتفرّغ للطلبات الجديدة التي ستُقدَّم تِباعاً. وعبّر وزير «الأمن القومي» عن «سعادته العظيمة» لأن «موظّفي القسم يتعاضدون معاً من أجل تمكين مُواطني إسرائيل من الدفاع عن أنفسهم»، مُدافعاً عن خطواته، وفق ما نَقل عنه الموقع نفسه، بـ«(أنّنا) أمام واقعتَين أليمتَين حدثتا نهاية الأسبوع الماضي، أثبتتا الفرق بين أن يكون المواطنون مسلّحين أو غير مسلّحين؛ ففي نافيه يعكوف، لأسفنا الشديد، قُتل سبعة يهود (في العملية التي نفّذها الشهيد خيري علقم)، أمّا في عير ديفيد، التي يتجوّل فيها الإسرائيليون بسلاحهم، فقد تمكّن أحد المسلّحين اليهود من تحييد منفّذ عملية إطلاق النار (الطفل محمد عليوات). هذا مثال حيّ على أهمّية تسليح المواطنين، وهو يلقي علينا مسؤولية تسريع إجراءات حمْل السلاح وترخيصه، وإلغاء البيروقراطية القائمة اليوم. هذا من أجل أطفالنا ومن أجل حياتنا جميعاً».
17 ألف إسرائيلي تقدّموا سابقاً بطلبات للحصول على تراخيص لحمل السلاح


على المقلب الآخر، حذّرت جمعيات إسرائيلية تنشط في مجال مكافحة العنف وانتشار السلاح، من تَبعات القرارات الأخيرة، وفي مقدّمتها القرار الذي أصدره المجلس المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) عقب عمليّتَي القدس، ومَنح بموجبه تسهيلات جديدة لترخيص حمْل الأسلحة الشخصية للمستوطِنين؛ إذ رأت أن نتيجة ذلك «ستكون كارثية، وستفضي إلى بكاء الأجيال». وفي الاتّجاه نفسه، ذكّرت مديرة برنامج «هإكداح عل شولحان همطباح - المسدس على طاولة المطبخ -»، ريلا مازالي، بأن «حكومة سابقة بقيادة بنيامين نتنياهو اتّخذت قرارات لتسهيل تراخيص حمْل السلاح في سنة 2018، وبالنتيجة ارتفعت حوادث العنف والقتل خصوصاً داخل العائلات الإسرائيلية، وضدّ النساء». ولفتت مازالي، وهي رئيسة البرنامج الذي تنضوي في إطاره جمعيات ومراكز عديدة تُعنى بمكافحة العنف وانتشار السلاح، إلى أن «معطيات وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلي، لعام 2021، تشير إلى أن 12 شخصاً انتحروا بواسطة سلاح مرخَّص، إلى جانب 16 حالة وفاة إثر انفلات رصاصة من سلاح شخصي مرخَّص، فضلاً عن مقتل 14 امرأة بإطلاق نار، بينهنّ ثلاث نساء يهوديات قُتلن بسلاح من النوع ذاته». وفي الإطار نفسه، نشرت صحيفة «هآرتس»، قبل أيّام، معطيات حول اتّساع رقعة انتشار السلاح الشخصي، أظهرت أن 86% من مستوطَنات الضفة، تُعدّ نسبة حاملي هذا السلاح فيها «مرتفعة»؛ إذ تُظهر البيانات أنه في بعض المستوطنات، سواء تلك التي في الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلّة عام 48، يساوي عدد قِطع السلاح المرخَّص ثُلُث عدد سكّانها. وفي المقابل، وعلى الرغم من انتشار مئات آلاف القِطع بأيدي فلسطينيّي الـ48، حيث تُستخدم غالبيّتها في مجالات الجريمة الجنائية، إلّا أنه طبقاً لأرقام رسمية صدرت عن لجان في «الكنيست»، فإن «نسبة حاملي السلاح المرخَّص في صفوف هؤلاء متدنّية جدّاً».
بالنتيجة، تبدو قرارات بن غفير وكأنها دعوة إلى الإسرائيليين لـ«أخذ القانون بأيديهم»، مع تعبيد الطريق أمامهم إلى ذلك وتسهيل قوننته من دون الاكتراث بالنتائج المحتمَلة لخطواته. والواقع أن الحضّ على نشْر الأسلحة المرخّصة في صفوف المستوطِنين، ليس إلّا حلقة من سلسلة مخطّطات لتوسيع الدوائر «الميليشيويّة» وتنظيمها، وفق نموذج «ميليشيا برئيل» التي قادها وأسّسها بن غفير في مدينة بئر السبع في النقب، إذ إنه في أعقاب «هَبّة أيار»، فرّخت العديد من الأطر الشبيهة بـ«برئيل»، ولكنها لا تزال شعبية وغير منظّمة أو مقوننة أو تابعة لوزارة الأمن القومي. وعلى هذا الأساس، فإن تسهيل إصدار تراخيص حمْل الأسلحة بذريعة العمليات الفلسطينية، يَظهر كمقدّمة لتنظيم الأجسام الأمنية المحلّية الموازية للشرطة، التي طالما رأى فيها بن غفير جهازاً عاجزاً عن القيام بدوره في الدفاع عن الإسرائيليين.