منذ إعلان السلطة الفلسطينية، إثر جريمة مخيّم جنين الأسبوع الماضي، تعليق «التنسيق الأمني» مع دولة الاحتلال، لم يَبرز ما يؤشّر إلى ترجمة هذا القرار على الأرض، سواء في الجانب الميداني، أو حتى على مستوى طبيعة عمل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، والتي لا تزال تقوم بمهامها كالمعتاد. وبحسب ما علمتْه «الأخبار» من مصادر في السلطة، فإنه على الرغم من إعلان المتحدّث باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، في مؤتمر صحافي، تجميد «التنسيق» واعتباره «كأنه لم يكن»، إلّا أنه لم يَعقب ذلك تعميم على الأجهزة الأمنية بوقف «التعاون» مع نظيرتها الإسرائيلية، أو الإيعاز إلى «الهيئة العامّة للشؤون المدنية» بأمر مماثل. وتَكشف المصادر أن اللقاءات بين ضبّاط الأمن الفلسطينيين والإسرائيليين لا تزال مستمرّة، وأن الاتّصالات بين «الشؤون المدنية» و«الإدارة المدنية» في دولة الاحتلال لم تنقطع أيضاً، مؤكدةً أن إعلان وقْف «التنسيق» لم يتجاوز حدود الإعلام.ويبرّر مسؤولون فلسطينيون الإحجام عن إنهاء «التنسيق» بشكل جادّ، بأن هذه الخطوة تحمل مخاطر كبيرة، ولا سيما في ظلّ محاولات «الإدارة المدنية» الإسرائيلية تجاوُز السلطة، والتواصل المباشر مع المواطنين الفلسطينيين. وعليه، فإن القرار الشكلي بوقف «التعاون»، هذه المرّة، جاء، بحسب المصادر نفسها، «نتيجة تخوّف القيادة الفلسطينية من الغضب الشعبي بعد جريمة مخيّم جنين، وفي محاولة منها لاحتواء هذه الحالة التي سادت الشارع». وتؤكّد المصادر أن «العلاقات الأمنية مع دولة الاحتلال ستستمرّ على ما هي عليه، سواء أُعلن عن عودتها أم لم يعلَن ذلك، بالشكل والقوّة نفسَيهما». وممّا يدلّل على ذلك، أن قوّات الأمن الفلسطينية لا تزال على دأْبها لناحية الاختفاء من شوارع المدن الفلسطينية عند اقتحامها من قِبل جنود العدو، الذي تكون سلطاته قد أبلغت الجهات الفلسطينية المعنيّة بنيّة الاقتحام، فضلاً عن أن «الشؤون المدنية» لا تزال تُحدّث أحوال السجلّ المدني من مواليد ووفيات بشكل يومي، وترسلها إلى سلطات الاحتلال لتسجّلها عندها، كما في السابق. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن السلطة لم تتوقّف عن اعتقالاتها بحقّ العشرات من الشبّان الفلسطينيين لعلاقتهم بالعمل المقاوم، في وقت كثّفت فيه بالفعل عملها في منطقتَي جنين ونابلس لمواجهة تنامي حالة الاشتباك هناك.
العلاقات الأمنية مع دولة الاحتلال ستستمرّ على ما هي عليه، سواء أُعلن عن عودتها أم لم يعلَن ذلك


وفي الإطار نفسه، تحدّث القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، ماهر الأخرس، عن «مخطّط خطير تعدّه الأجهزة الأمنية التابعة السلطة لضرب المقاومة في جنين ونابلس»، لافتاً إلى «تعزيز الدوريّات الأمنية في المدينتَين، بشكل خَفيّ عبر سيارات فردية، توازياً مع التفكير بافتعال مشاكل داخلية، يَجري استغلالها للبدء بضرب المقاومة واعتقال عناصرها». وطالب «المؤتمر الشعبي الفلسطيني»، بدوره، مسؤولي السلطة بإعلان نفيهم القاطع والصريح للأخبار التي تناقلتْها وسائل الإعلام العبرية على لسان وليم بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، من أن عباس أبلغه تمسّكه بـ«التنسيق الأمني»، وتعهّده بـ«وقف العنف»، داعياً إلى «إطلاق سراح جميع المعتقلين لدى أجهزة أمن السلطة على خلفية الانخراط في المقاومة أو التباين في الرأي، والشروع في التحضير للانتخابات الشاملة كما جاء في إعلان الجزائر، وبلورة استراتيجية وطنية عنوانها المقاومة، وعمادها مغادرة نهج أوسلو». وكانت مصادر إسرائيلية ذكرت أن عباس قال لبيرنز، الأحد، إن «تبادُل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل - وهو مكوّن رئيس للعلاقات الأمنية بين الجانبَين - مستمرّ».