بغداد | يبدو أن الرغبة تُعاود «التيّار الصدري» في إنهاء انعزاله عن العملية السياسية الذي ألزم نفسه بها عام 2022، والعودة مرّة أخرى إلى المشهد والتفاعل مع دينامياته. أنبأت بذلك أخيراً عدّة مؤشّرات، من بينها الدعوة إلى إحياء صلاة الجمعة الموحّدة، وتحشيد بعض المنصّات الإلكترونية غير الرسمية المقرّبة من التيّار لتنظيم احتجاجات شعبية واسعة أمام البنك المركزي وفي كلّ المحافظات. ويرصد «الصدري» اتّساع فجوة الخلافات بين قوى «الإطار التنسيقي» التي تدعم حكومة السوداني، لا سيما وأن التيّار يُراهن أيضاً على فشل مساعي الحكومة في تدبير شؤون الدولة ومعالجة الأزمات السياسية والخدمية والاقتصادية والمالية، وخاصة ارتفاع سعر الدولار أمام العملة المحلّية وعدم إقرار الموازنة المالية لعام 2023. في المقابل، يسعى «ائتلاف إدارة الدولة»، الذي يضمّ «التنسيقي» وحلفاء الصدر السابقين قبْل انسحابه من المشهد السياسي، إلى معالجة أزمة ارتفاع سعر الصرف، من خلال سلسلة اجتماعات عَقدها مع السوداني في منزل رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي. كما أن الحكومة استبقت خطوات «الصدري» بإعفاء مدير البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، من مهامه، في مسعى لإنهاء أيّ ذريعة للاحتجاج.على أن نائباً تابعاً للكتلة «الصدرية» المستقيلة من البرلمان، طلب عدم ذكر اسمه، يؤكّد، لـ«الأخبار»، عودة التيّار إلى النشاط السياسي في الفترة المقبلة. ويقول النائب المستقيل إن «جماهيرنا تنتظر إشارة بسيطة من سماحة القائد مقتدى الصدر للعودة إلى الشارع، خاصة وأن القاعدة الجماهيرية للتيّار أغلبها من المناطق الشعبية وأصحاب القُوت اليومي الذين تضرّروا من ارتفاع سعر الدولار وغلاء أسعار المواد الغذائية». ويلفت إلى أن «التيّار يقيّم حالياً عمل حكومة السوداني، إذ إن الانسحاب من العملية السياسية لا يعني اعتزال المشهد بشكل تامّ، بل بالعكس أعطيْنا الفرصة للإخوة في الإطار كي يَمضوا في تمرير مشروع حكومتهم الائتلافية». وينفي المصدر علمه بأيّ موعد للتظاهرات، كما ينفي صدور توجيهات من قِبَل الصدر، قائلاً إن «السيّد حالياً مكتفٍ بالاهتمام بالجانب الديني ومراجعة كُتب والده الشهيد».
لكن محلّلين آخرين قريبين من التيار، تحدّثوا إلى «الأخبار»، احتملوا وقوع تحرّكات قريبة. وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ كلية الإعلام، غالب الدعمي، أن «ارتفاع سعر الدولار، إذا بقي على حاله، فالتظاهرات قادمة لا محالة من قِبَل أنصار التيّار الصدري»، معتبراً أن «تخفيض السعر غير ممكن الآن، ولذا، فالتظاهرات يمكن أن تحصل في أيّ لحظة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون تحت إشراف التيّار». ومن هنا، يَعتبر الدعمي أن «كلّ السيناريوات محتمَلة، في ظلّ ضغط الشارع والارتفاع الفاحش في أسعار الكثير من المواد الغذائية»، محتمِلاً أن تكون «التظاهرات المقبلة بالشراكة بين الصدريين وغير الصدريين». ويلفت إلى أن «العنوان الرئيس للتحرّكات المقبلة بعد انتهاء مُهلة المئة يوم، سيكون «نزِّل الدولار»، وهذا ما هتف به العراقيون في ملعب «جذع النخلة» في بطولة «خليجي 25»، وقد يمتدّ إلى مطالب أخرى»، مستدرِكاً بأن «لا أحد يستطيع أن يقول إن «الحكومة العراقية فاشلة»، بل إذا استطاعت خفْض الدولار، فستستطيع إيقاف كلّ التظاهرات، ولن تكون هناك احتجاجات كبيرة مع الاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين». يُذكر أنه بعد ارتفاعه الكبير، عاد الدولار وتراجَع جزئياً خلال اليومَين الماضيَين، من 1650 ديناراً للدولار، إلى 1590 ديناراً، في ما قد يعطي الحكومة فترة سماح، خاصة إذا تَعزّز الاتّجاه «النزولي» أو على الأقلّ توقّف الصعود.
نائب «صدري» مستقيل: جماهيرنا تنتظر إشارة بسيطة من «القائد» للعودة إلى الشارع


في المقابل، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، عصام حسين، أن «السوداني في موقف حرج، وذلك بسبب معاناة الإطار التنسيقي من تخمة في القيادات وفي الأهداف السياسية»، موضحاً أن «كلّ حزب لديه هدف سياسي معيّن، وهذا بالتأكيد يتعارض مع تطلّعات الحكومة التي تريد أن ترضي المواطن». ويضيف أن «السوداني الآن في فخّ الصراع الإطاري حول السيطرة على الموارد الاقتصادية الموجودة في الدولة، وخصوصاً أن المبالغ المالية الموجودة حالياً مغرية لهذه الأحزاب، وقد تصل إلى حدّ 250 مليار دولار، فضلاً عن أن ميزانية 2020 كانت غير موجودة، بمعنى أنها تحوّلت إلى ميزانية 2023، والمبالغ الموجودة فيها تصل إلى 150 مليار دولار، إضافة إلى احتياطي النقد الموجود في البنك المركزي». ويلفت حسين إلى أن «رئيس الوزراء لم يتدخّل في تفاصيل تشكيل الحكومة، لأن الاتّفاقات أُبرمت مع الجانب الأميركي من قِبَل نوري المالكي وعمار الحكيم وبموافقة قيس الخزعلي، وبالتالي لم تكن للسوداني يد فيها»، معتبراً أن «الاتفاقات الخارجية والصراع الداخلي على المناصب يمنعان تقدُّم السوداني ولو لخطوة واحدة». ومن هنا، لا يستبعد «احتمال اندلاع الاحتجاجات بعد ارتفاع سعر صرف الدولار»، معرباً عن اعتقاده بأن «ابتعاد التيّار بدايةٌ لرسم سياسة جديدة في المراحل المقبلة».
وفي السياق نفسه، يستشعر الباحث السياسي، مناف الموسوي، أن «نزول أنصار «الصدري» إلى الشارع مجدّداً، صار مرجَّحاً إذا لم تتحرّك حكومة السوداني لمعالجة أزمة الدولار بشكل عاجل»، معتبراً أنه بمعزل «عن المهلة التي منحها التيّار لحكومة السوداني، يبدو واضحاً أن الأخيرة ستفشل نتيجة المحاصصة بين الأحزاب المتصارعة على السلطة». وفي الاتّجاه نفسه، يرى السياسي العراقي، ياسين عزيز، أن «حكومة السوداني لم تحقّق الكثير، حيث لم يتمّ تنفيذ البنود والفقرات المهمّة التي جاءت في البرنامج الحكومي، خاصة في ما يتعلّق بالتفاهمات سواءً مع الجانب الكردي أو حتى السُنّي»، مضيفاً أن «الحكومة بقيت خلال هذه الفترة حكومة وعود وتصريحات أكثر ممّا هي حكومة تنفيذ». في المقابل، ثمّة مَن يرى أن «الكابينة» استطاعت تحقيق بعض الإنجازات. وفي هذا الإطار، يعتقد النائب داخل راضي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «حكومة السوداني نجحت في تحقيق بعض الأهداف التي تخصّ الخدمات ومساعدة الفقراء ومحاسبة الفاسدين، وأيضاً حقّقت هدوءاً في الملفّ الأمني ولو نسبياً». ويرى راضي أن «أزمة الدولار الحالية افتعلتْها جهات خارجية، على رأسها الولايات المتحدة، للضغط على حكومة السوداني، لأن الأخيرة بدأت تعمل بجدّية واضحة لصالح الفقراء، فضلاً عن فرضها قيوداً على البنك المركزي وبعض المصارف المهمّة وتهييج الشارع العراقي لغرض الإطاحة بالسوداني». ويُعرب عن اعتقاده بأن «مُهلة المئة يوم قد تَصلح في بلد مستقرّ ومثالي، لكن في بلد مِثل العراق، من غير المعقول تقييم عمل حكومة كاملة جاءت على إثر انسداد سياسي، وفي ظلّ عدم وجود موازنة مالية لبدء تنفيذ البرنامج الحكومي، خلال هذه الفترة القصيرة».