بغداد | بعد تسلّمه منصبه مباشرة، سارعت سفيرة واشنطن لدى بغداد، إلينا رومانويسكي، إلى زيارة رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، ومدّ جسور التواصل معه، في ما عكس توجّهاً أميركياً جديداً في التعامل مع صنّاع القرار السياسي الداخلي، ولا سيما قوى «الإطار التنسيقي». وفي المقابل، سعى السوداني إلى توطيد العلاقات الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية، والاستفادة من دعمها له، وذلك عبر توظيف فريق ديبلوماسي يمثّل فلسفة حكومته الجديدة في خوض حواراتها بعيداً عن خطاب التجاذبات السياسية. ويثير هذا التوجّه تكهّنات حول ما إذا كان ثمّة تغيير جوهري في موقف السوداني نفسه، ينقلب من خلاله على داعميه في «الإطار التنسيقي»، أم أن الأمر برمّته منسَّق مع قوى «الإطار» كافة، بهدف استيعاب الهجمة الأميركية الجديدة المتمثّلة في تقنين الدولار إلى السوق العراقية، وبالتالي فإن المُراد منه إفهام الأميركيين أن حقيقة كون «التنسيقي» الذي يُفترض أنه حليف لإيران، يشكّل العمود الفقري للحكومة، لا يعني تغييراً جوهرياً في السياسة تجاه واشنطن، والتي درجت الحكومات العراقية المتعاقبة على اعتمادها منذ عام 2003.وفي هذا الصدد، يلفت المتحدّث باسم الأمانة العامّة لمجلس الوزراء، حيدر مجيد، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الزيارات التي يقوم بها السوداني إلى الدول العربية والأجنبية، لها أهمّية كبيرة في فتْح آفاق تعاون جديد مع هذه البلدان للاستثمار في العراق، لأن الأخير بحاجة إلى إقامة وتنفيذ الكثير من المشاريع، سواءً في مجال الطاقة بشقَّيها الكهربائي والنفطي أو في مجال البنى التحتية والطرق والجسور وغير ذلك». ويضيف مجيد أن «الحكومة الحالية تعوّل من خلال زياراتها للدول الأجنبية كألمانيا وأميركا وغيرهما، على استقطاب شركاتها للعمل داخل العراق، وتطوير العمل المشترك مع الجميع، بعيداً عن الصراعات والمشاكل». ويؤيّد النائب عن «ائتلاف دولة القانون»، عارف الحمامي، ذلك التوجّه، معتبراً أن «الانفتاح الديبلوماسي على دول العالم ودول الجوار مهمّ جدّاً، خصوصاً أن وضع العراق الراهن لا يحتمل الخصومة». ويرى الحمامي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «زيارة الولايات المتحدة مهمّة جدّاً، وذلك لأنها ثقل كبير في العراق، خاصة بوجودها الديبلوماسي والعسكري والأمني وتأثيرها العالمي، ولذا نَعتبر التواصل معها مهمّاً وإيجابياً في الحفاظ على التوازن مع باقي الدول، ولا نريد الخصومة مع الإدارة الأميركية». ويُعرب عن اعتقاده بأن «زيارة السوداني إلى ألمانيا، وتوقيع عقْد مع شركة سيمنز، جاء بالتوافق مع الشركات الأميركية، وهذا يُعتبر توازناً في العلاقات، لأن العراق لم يستطع العمل والشراكة من دون الدخول في هكذا اتّفاقات».
من ضمن الملفّات المطروحة، قضية ارتفاع سعر صرف الدولار، وتدخّلات الخزانة الأميركية


من جهته، يلفت النائب كاظم جرو إلى أن «الحكومة الأميركية هي الراعي الرئيس للعملية السياسية في العراق، ولا أحد يستطيع نكران ذلك، والدليل أنها أكبر قوّة موجودة في البلد ومتدخّلة في الكثير من مفاصل الدولة العراقية». وبشأن زيارة السوداني المفترَضة إلى واشنطن، يشير جرو، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «من ضمن الملفّات المطروحة، قضية ارتفاع سعر صرف الدولار، وتدخّلات الخزانة الأميركية وسيطرتها على أموال العراق»، متوقّعاً أن «يناقش السوداني كذلك ملفّ بقاء القوات الأميركية داخل العراق، لتكون فقط لغرض الحماية أو لتدريب القوّات العراقية». وفي الاتّجاه نفسه، يرى السياسي العراقي المقيم في واشنطن، انتفاض قنبر، أن «زيارة السوداني إلى أميركا هي لغرض تثبيت سلطته وشرعيته»، مذكّراً بأن «إيرادات النفط العراقي يتمّ وضعها في حساب العراق الموجود في البنك الفيدرالي الأميركي، ولذلك من الصعوبة جدّاً تفادي زيارة واشنطن من أجل حلحلة أزمة الدولار والنفط وباقي القضايا المهمّة».
ويستبعد قنبر، في حديث إلى «الأخبار»، «استفادة العراق من هكذا جولات»، معتبراً أن «الشعب العراقي هو الخاسر لأن هذه الزيارات تكلّف أموالاً طائلة من خزينة الدولة، فيما سمعة العراق ستكون على خطّ الاختبار عندما لا ينفّذ هذه الاتفاقيات».
ويشير غابرييل سوما، العضو السابق في المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بدوره، إلى أن السوداني يريد الاتفاق مع واشنطن بشأن مستقبل بقاء القوّات الأميركية داخل العراق، خاصة أن «تنظيم داعش ما زال موجوداً»، مضيفاً في تصريح إلى «الأخبار» أنه «ما زال هناك نحو ألفَي جندي أميركي على الأراضي العراقية مهمّتهم الاستشارة والتدريب وليسوا قوّات قتالية، كما تمّ الاتّفاق على ذلك بين الطرفَين»، في حين يلفت أستاذ العلاقات الدولية، سعدون الساعدي، إلى أن «الولايات المتحدة أبدت رغبتها في استقبال السوداني الذي ستكون العلاقة معه استكمالاً للعلاقة مع الحكومات السابقة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد». ويضيف الساعدي، لـ«الأخبار»، أن «السوداني سيدعو الشركات الأميركية إلى الاستثمار، وكذلك إلى مساعدة العراق ضمن رؤية جديدة للاقتصاد والبنى التحتية»، مشدّداً على «أهمّية الأخذ في الاعتبار مسألة انهيار العملة العراقية أمام الدولار الأميركي، ودور البنك الفيدرالي الأميركي في علاقاته مع البنك المركزي العراقي، وهذا ما أثّر سلباً في الفترة الحالية على الوضع السياسي الداخلي في العراق، وبالتالي السوداني سيتحمّل المسؤولية». ويذكّر بأن «هناك ملفّات عالقة في العلاقة مع إيران التي عليها عقوبات، كمسألة تسديد النفقات بالدولار، ومسألة التوازن الإقليمي والدولي»، محتمِلاً أن «ينجح السوداني في إقناع قادة واشنطن بإيجاد نوع من العلاقة ذات الطابع الاقتصادي مع العراق، بعد أن كانت العلاقات سياسية ذات طابع أمني عسكري بحت».
ويضع الباحث في الشأن السياسي، حيدر البرزنجي، العلاقة بين السوداني وأميركا في إطار «تبديد القلق والمخاوف الدولية أو الإقليمية، والتي سيقت على سبيل التضليل، مثل القول إن "هذه الحكومة سوف تنغلق، ولديها مجموعة من الإشكالات مع الخليج أو مع الدول الإقليمية الأخرى"، وبالتالي اليوم انتهج السوداني نهجاً مختلفاً تماماً»، مضيفاً أن «رئيس الحكومة لا يخطو خطوة تبعث على استفزاز دول الأخرى، إنّما يدعو إلى التوازن الاقتصادي والتوازن في العلاقات والاستثمارات، وكذلك فتْح علاقات جديدة من نمط آخر تختلف عن العلاقات السابقة، بحيث لا تكون بين تابع ومتبوع، وإنّما على أساس توازن اقتصادي وأمني وسياسي، بالعودة إلى الاتفاقية التي أُبرمت في عام 2008 ونُفّذت عام 2011، وهي الاتفاقية الاستراتيجية للأطر المتعدّدة».