القاهرة | على الرغم من التدخّل السعودي – الإماراتي لدعم الاقتصاد المصري، ووجود العديد من الاستثمارات السعودية المرتقَب ضخّها في السوق المصرية، بالتزامن مع استكمال ما جرى الاتّفاق عليه بين القاهرة و«صندوق النقد الدولي» في مقابل القرض الأخير الذي حصلت مصر على شريحته الأولى نهاية الشهر الماضي، إلّا أن ثمّة أزمة حقيقية تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض، ويَجري العمل على حلحلتها على مستوى رفيع، وذلك بشأن أوجه الاستثمارات والاستحواذات السعودية المنتظَرة. وبلغ إجمالي ما حصل عليه البنك المركزي من دعم مالي من السعودية في 2022، حوالي 10 مليارات دولار، بما يمثّل أقلّ بقليل من ثلث الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر، مقسّمة بين وديعة جديدة بقيمة 5 مليارات دولار وتمديد أجَل وديعة أخرى بالقيمة نفسها، إلى جانب أكثر من 1.3 مليار دولار ضخّتها الرياض من خلال «صندوق الاستثمارات العامة» العام الفائت، واستحوذت بها على حصص أقلية في 4 شركات مدرَجة في البورصة المصرية.ونشبت الأزمة بين القاهرة والرياض على خلفية الرغبة المصرية في أن تكون عمليات الاستحواذ والاستثمار من خلال شركات تابعة للحكومة أو للأخيرة نسبة فيها، ما يسمح بدخول الدولار إلى السوق المصرية بشكل مباشر. وقد جرى التفاوض في الأسابيع الماضية على عمليات استحواذ مختلفة، استهدف من خلالها رجال أعمال مصريون إخراج أموالهم بعد بيع شركاتهم إلى الرياض. وكشفت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن الخلاف الرئيس، الذي عرقل صفقات جديدة في الأيام الماضية، مرتبط باعتقاد السعوديين بأن إتمام العمليات عبر شركات تطرحها الحكومة المصرية، ومن بينها شركات وبنوك لا تحقّق عائدات كبيرة اقتصادياً، إنما يمثّل خسارة لاستثماراتهم التي تستهدف تحقيق عائد مالي مجزٍ في السنوات المقبلة. ووفق المصادر المرتبطة بالسفارة السعودية في القاهرة، فإن المشكلة بالنسبة إلى الأخيرة مرتبطة بخروج أموال القطاع الخاص من البلاد بشكل فوري، لرغبة العديد من رجال الأعمال في تحويل أموالهم إلى بنوك في الخارج، نتيجة التخوّف من عمليات الاستحواذ الإجبارية التي واجهها البعض في الفترة الماضية، ودفعت شركات عدّة كبرى إلى أن تخطو هذه الخطوة، كما في حالة «النساجون الشرقيون» التي نقلت حصّة فيها إلى المالكين أنفسهم، لكن تحت غطاء شركة أخرى مقرّها في بريطانيا.
ترغب القاهرة في أن تكون جميع عمليات الاستحواذ والاستثمار السعودية عبر شركات تطرحها الحكومة


وعلى رغم السجالات المتعدّدة التي دخل فيها الجانبان المصري والسعودي في الأيام الماضية، إلا أن القاهرة تحاول الضغط على بعض رجال الأعمال في الداخل، وإرسال تطمينات إليهم مفادها نهاية الشراكات والاستحواذات الجبرية، مع التأكيد على حرية حركة رؤوس الأموال من البنوك المصرية وإليها. لكن هذا التحرّك لا يشغل السعوديين بشكل رئيس، في ظلّ وجود فرص استحواذ ناجحة القيمة أمامهم في شركات مصرية، وبأسعار أقلّ ومزايا تنافسية أعلى من نظيرتها التي توفّرها الحكومة، وسط مساعٍ من أجل تحقيق حلّ وسط يرضي الطرفين، بحيث يتمّ ضخّ الاستثمارات السعودية المتَّفق عليها بقيمة 5 مليارات دولارات في أقرب وقت في شركات حكومية، مع ضخّ استثمارات أخرى في شركات القطاع الخاص، وهو ما سيناقَش على هامش الاجتماعات المقرَّرة اليوم في أبو ظبي، بحضور الرئيس المصري وقادة دول «مجلس التعاون الخليجي». ووفق مصادر سعودية، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن ما طلبته مصر لا يزال قيد البحث على مستوى رفيع، وخاصة مع وجود تقييم لشركات ومنشآت بأسعار أعلى من قيمتها. وتكشف المصادر أن الرياض طلبت بشكل واضح تخفيض قيمة الجنيه المصري بشكل عادل لتنفيذ بعض الاستثمارات فوراً، على غرار ما حدث الأسبوع الماضي عندما سجّل الجنيه انخفاضاً تاريخياً أمام الدولار ليتجاوز 32 جنيهاً للدولار الواحد، وهو أمر قد يتكرّر في الأسابيع المقبلة لساعات، من أجل تنفيذ الصفقات بالسعر الذي تراه الرياض عادلاً.
وتضيف المصادر إن الرياض طلبت وعوداً بفرص استثمارية مجزية في شركات تابعة للجيش ستطرح، سواء كان من خلال الطرح في البورصة أو خارجها عبر مستثمر رئيس، لافتة إلى أن هناك استثمارات سعودية قيد الدراسة بالفعل في عدّة شركات حكومية، وهو أمر لا يرتبط بالاستثمارات السعودية فقط، ولكن الإماراتية أيضاً، حيث يجري التنسيق بين الرياض وأبو ظبي في هذا الملفّ بشكل كبير.