معضلة إسرائيل لا تقتصر على أنها عجزت، سياسياً وعسكرياً، بكسر الإرادة الفلسطينية، بل إن الجانبين المتحاربين ليسا هما الوحيدين من يقرران إنهاء المعركة. والأكثر إشكالاً من ناحية تل أبيب، بحسب تأكيد إعلامها، هو الضعف الأميركي، الذي لا يستطيع أن يفرض إرادته في المنطقة.
مع ذلك، الحراك والمساعي للتوصل إلى حل، ما زالا قائمين، رغم المراوحة السياسية والعقبات، و«الطباخون الكثر»، بحسب صحيفة «هآرتس»، بل وقد ينجحون في التوصل إلى اتفاق ما. وهو ما يبدو أنه أملى على تل أبيب رفع السقف عالياً، والتلويح بتوسيع العملية البرية، في مسعى منها للتأثير على مجرى المساعي والتفاهمات المقبلة. من هنا، جاء تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، خلال تفقده وحدات لواء غولاني المرابطة على الحدود مع القطاع، على أن إسرائيل تعدّ العدة للمراحل التالية من القتال، بعد الانتهاء من معالجة الأنفاق، و«أنتم ينبغي أن تكونوا مستعدين لكل مهمة. إذ ينبغي الاستمرار في الاستعداد للمسارات الأكثر نوعية داخل غزة».
تصعيد يعلون واكبه أيضاً تصعيد مماثل من قبل وزيرة القضاء تسيبي ليفني، التي رفعت من سقف تهديداتها، تماماً كما هدد عدد آخر من الوزراء الإسرائيليين، ومنهم أعضاء في المجلس الوزاري المصغر. تحدثت ليفني للإذاعة العبرية عن إمكان توسيع رقعة المواجهة في غزة مع توغّل للجيش الإسرائيلي فيها، وصولاً إلى «تجريد حماس والتنظيمات الفلسطينية من أسلحتها»، وأشارت إلى وجود اعتراف دولي آخذ بالتبلور، بضرورة إضعاف حماس سياسياً وعسكرياً على حد سواء.

العين الإسرائيلية ما زالت تتطلع إلى الصورة التي ستخرج فيها من المواجهة مع الفلسطينيين

في موازاة التهديدات، تحدثت تل أبيب أمس عن «اقتراح حل» يتبلور لدى المؤسسة العسكرية ولدى وزارة الخارجية، ويلقى أصداء لدى مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، موشيه يعلون، ينص على إعادة استنساخ سيناريو الانسحاب من حرب لبنان الثانية عام 2006، واستصدار قرار أممي، شبيه بالقرار 1701.
وبحسب الاقتراح، الذي كشفت عنه صحيفة «هآرتس» أمس، تبادر إسرائيل مع الولايات المتحدة وحلفائها في العالم، وبالتنسيق مع مصر والسلطة الفلسطينية والجامعة العربية، إلى استصدار قرار من مجلس الأمن، على شاكلة القرار 1701، على أن يتكفل القرار بتحقيق أهداف سياسية لإسرائيل. وبحسب الصحيفة، فإن القرار 1701، عزز سيطرة الحكومة اللبنانية في جنوب لبنان ونزع من هذه المنطقة الصواريخ والسلاح الثقيل، كما فرض عزلة دولية على حزب الله، ونشر قوات دولية على الحدود مع إسرائيل، منوهة بأن القرار 1701 كان امتداداً للقرار 1559، الذي أقر قبله بسنوات، والذي دعا إلى نزع سلاح حزب الله.
وإذا أمكن التعامل مع الاقتراح الإسرائيلي، بالتطلع إلى 1701 فلسطيني، على أنه أداة لمواجهة مساع وتفاهمات قد يفضي إليه الحراك التفاوضي الإقليمي والدولي بإنهاء المواجهة الحالية مع قطاع غزة بتفاهمات «استراتيجية»، تزيد على معادلة «الهدوء مقابل الهدوء»، التي تطالب بها تل أبيب، إلا أن العين الإسرائيلية ما زالت تتطلع في نفس الوقت، إلى الصورة التي ستخرج فيها من المواجهة مع الفلسطينيين، والإنجازات التي يمكن أن تسوقها في الداخل الإسرائيلي أولاً، وفي الخارج أمام أعدائها ثانياً، الذين يتابعون أدائها السياسي والميداني المتعثر.
وتساءلت القناة العاشرة العبرية عن الآتي: في غضون يوم أو اثنَين أو ثلاثة، سنكون مضطرين الى اتخاذ قرار في ظل تعنت حماس حول وقف اطلاق النار بشروط مناسبة لاسرائيل، اذ بعد ان نكون قد عالجنا الأنفاق، فهل سنخرج من غزة ونعلن انتصارنا على الأنفاق، أم نسير الى خيار توسيع العملية البرية؟
واشارت القناة إلى ان الامتحان المقبل سيكون عسيراً على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فالهدوء ما زال حتى الآن مرتبطاً بقرار من حماس، التي لا يبدو انها مستعدة للتخلي عن شروطها، لكن القناة اضافت، في موازاة ذلك، أن الاتجاه السائد لدى القيادة الاسرائيلية هو بالابتعاد عن الخيارات المتطرفة، والامتناع عن المعركة البرية الكبيرة في غزة.
وكان تقرير المراسل العسكري للقناة، الون بن دافيد، اكد أيضاً أن القيادة العسكرية للجيش جاهزة وتريد إنهاء العملية البرية خشية استمرارها وسقوط مزيد من الاصابات، الامر الذي يتوافق، بحسب القناة، مع توجه القيادة السياسية، غير المتحمسة لاستمرار العملية البرية، رغم التأكيدات الصادرة اخيراً عن جهات ومصادر سياسية رفيعة، بإمكان مواصلة العمل البري لاسبوع او اسبوعين.
وكشف مراسل القناة ان الجيش يعمل باسلوب المواجهات القصيرة والتماس المحدود في الاماكن التي يوجد فيها في قطاع غزة، مشيراً الى ان الجيش لا يبدي أي حماسة لخوض أي عملية مفصلية ومهمة ضد حماس، من شأنها ان تدفعها نحو وقف اطلاق النار، يتوافق مع شروط اسرائيل.
القناة الثانية العبرية ردت كل الإخفاق السياسي وعدم القدرة على التوصل الى وقف لاطلاق النار، رغم التوجه الاسرائيلي لتحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن، الى الضعف الذي تعاني منه الدبلوماسية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط. وبحسب تقرير للقناة، فإن واشنطن ضعيفة امام حلفائها وامام الجهات المقربة منها في المنطقة، وباتوا لا يتأثرون بتوجهاتها وقراراتها، مشيرة الى ان عدداً من اللاعبين الاقليميين المتحالفين من الاميركيين، جن جنونهم في هذه المنطقة.
وأكدت القناة ان ضعف الولايات المتحدة هو مشكلة استراتيجية لاسرائيل، اذ ان «الاخ الاكبر، اي اميركا، بات ضعيفاً وغير قادر على ان يضرب على الطاولة ويفرض ما يريده، وها هي واشنطن تبدو وكأنها جهة تسدي النصائح ولا تفرض ارادتها».