طرابلس | على رغم أن محاولات حلحلة الأزمة الليبية خلال الفترة الأخيرة آتت أُكلها في بعض الجوانب، إلّا أنها أبْقت جوانب أخرى عديدة قيْد المواقف الإقليمية المتناقضة، وفي مقدّمتها تلك المصرية والتركية. وعُقد، في الأسبوع الماضي، لقاء في القاهرة جَمع بين رئيس البرلمان عقيلة صالح، ورئيس «المجلس الأعلى للدولة» خالد المشري، سرعان ما جرى تضخيمه في الإعلام المصري، مع أنه لم يستطع تجاوُز الخلافات الجوهرية، ولا سيما في ما يتعلّق بشروط الترشّح للانتخابات الرئاسية، والقاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات، وبالتحديد البند الخاص بحظر ترشّح مزدوجي الجنسية. وليس لدى أيّ من الرجلَين تصوّر كامل حتى الآن بشأن المستقبل، ولا سيما في ظلّ التريّث الذي يبديه المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي. ومن هنا، لا تبدو الدعوة التي خرجت من ذلك الاجتماع إلى تسريع المسار الدستوري أكثر من محاولة لتصعيد الضغوط، بما يخدم المسار المدعوم مصرياً، فيما الحديث عن طرْح النقاط الخلافية على الاستفتاء حال استمرار الخلاف بين المجلسَين، يبدو مجافياً للواقع. إذ لا تقتصر صعوبة تَحقّق سيناريو كهذا على الوقت الذي يتطلّبه وضرورة تعديل قوائم المصوّتين، بل تتعدّاهما إلى اضطراب الوضع الأمني، واستمرار تشرذم السلطة السياسية، وعجز «النواب» و«الأعلى للدولة» عن فرض قراراتهما في عموم البلاد. على أنه وفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن ما تحاول مصر الدفع في اتّجاهه هو تحقيق التوافق بين المجلسَين من دون اللجوء إلى مسار الاستفتاء، والذي جرى التوافق عليه كحلّ أخير، سيبطل - في حال تحقّقه - إمكانية إجراء الانتخابات في 2023.في المقابل، عُقد في تركيا اجتماع آخر ضمّ سياسيين محسوبين على التيّار الإسلامي، وآخرين موالين للفصائل المسلّحة، إلى جانب شخصيات مدنية، في محاولة للتوصّل إلى رؤية مشتركة يتمّ تقديمها لباتيلي، تمهيداً لعقد مؤتمر ليبي يُراد منه خلْق مسار جديد للدفع بالانتخابات البرلمانية والرئاسية قُدُماً، بعيداً من البرلمان الحالي، وهو ما ينافي تماماً ما جرى التفاوض عليه في القاهرة. وتعتقد أنقرة أن استيلاد جبهة مناهضة لتلك التي يدعمها المصريون وأطراف خليجيون، من شأنه أن يُكسبها ورقة ضغط أساسية، يمكن أن تستغلّها حال تعقّد الموقف، علماً أن التيّار المدعوم مصرياً بات يضمّ رسمياً رئيس «الأعلى للدولة» الذي كان محسوباً على تركيا لفترة طويلة. وإذ تُطرح تساؤلات حول مدى قدرة أنقرة على التحكّم بالجبهة الوليدة، في ظلّ امتلاك العديد من أعضائها قدرة عسكرية يمكنها تهديد تنفيذ أيّ خطّة عمل، فإن هذا المسار يبدو أنه سيتواصل ويتبلور بشكل أكثر وضوحاً في الأيام المقبلة، بمشاركة مرشّحين للانتخابات الرئاسية التي كان يُفترض إجراؤها في كانون الأول 2021، وهو ما يعطي ثقلاً سياسياً للمسار التركي.
يواصل رئيس «المجلس الرئاسي» الليبي، محمد المنفي، التزامه النأي بالنفس عن جميع المبادرات


من جهته، يواصل رئيس «المجلس الرئاسي» الليبي، محمد المنفي، التزامه النأي بالنفس عن جميع المبادرات، مكتفياً بتصريحات عن أهمية المصالحة ووحدة المؤسّسات، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مع المطالبة بالضغط على كلّ المؤسّسات السياسية في البلاد، والتي باتت منقسمة بين البرلمان وحكومة بقيادة فتحي باشاغا من جهة، وحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس من جهة أخرى. ويأتي ذلك فيما بدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر العمل على خطّ جديد بشأن إعادة المرتزقة الذين قدِموا من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات طرابلس، والذين يشكّل وجودهم جزءاً أساسياً من تعقيدات الأزمة.