الحسكة | تُبدي قيادة «قسد» مخاوفها من احتمال التطبيع السوري - التركي، خشية أنْ يكون هذا الأخير على حساب وجودها في مناطق شمال سوريا وشرقها، في ظلّ تمسّكها بخيار التحالف مع الأميركيين، ورفْضها الانخراط في تسوية جدّية مع دمشق. ولم تمرّ ساعات قليلة على الإعلان عن اللقاء الثُلاثي الذي جمع وزراء الدفاع وأجهزة الاستخبارات في كلّ من سوريا وتركيا وروسيا، في العاصمة الروسية موسكو، حتى سارعت «الإدارة الذاتية» إلى إصدار بيانٍ رافضٍ له، وداعٍ إلى الكشف عن كلّ حيثياته. ورأت «الذاتية» أن «الاجتماع يهدف إلى ترسيخ أقدام إردوغان وحزبه في السلطة قبل الانتخابات التركية القادمة»، معتبِرةً أن «استمرار الأخير في السلطة يعني الاستمرار في سياسة القتل والتدمير وإبادة الكرد وشعوب المنطقة». وطالب رئيس «هيئة العلاقات الخارجية» في «الذاتية»، بدران جيا كرد، في تصريحات إعلامية، كلّاً من موسكو ودمشق بـ«الكشف عن فحوى هذه اللقاءات الأمنية والعسكرية بعد 12 عاماً من العداء والاحتلال والتدمير في سوريا التي تعيش أوضاعاً مأساوية»، واصفاً اللقاء بأنه «يمثّل ضربة كبيرة للجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، ونسف كُلّي لأيّ مبادرة سياسية تهدف إلى الحلّ والاستقرار». وأشار إلى أن «هذه اللقاءات ستتطوّر إلى مرحلة جديدة من الصفقات والخطط المُعادية لمصالح السوريين، والسعي إلى إحياء اتفاقية آضنة المجحفة والجائرة بحق شعوب المنطقة»، محذراً من «عودة الصراع السوري إلى المربّع الأول، في ما لو تمكّنت تركيا من جرّ النظام السوري إلى مخطّطاتها التي ستدفع المنطقة إلى فوضى شاملة». والمفارقة في هذا الخطاب المستجدّ، أن القيادات الكردية ذاتها لطالما أبدت انفتاحاً على الحوار مع تركيا في معرض ردّها على مبادرات أميركيّة سابقة، لكنها اليوم تعترض على مساعي التقارب بين دمشق وأنقرة.
تحرص دمشق على عدم إحداث أيّ فوضى عسكرية وأمنية في المناطق التي تَحكمها القوى الكردية

وعلى رغم تلك الاعتراضات، تستمرّ الحكومة السورية في مسار التقارب مع نظيرتها التركية، مُبديةً في الوقت نفسه حرصها على عدم إحداث أيّ فوضى عسكرية وأمنية في المناطق التي تَحكمها القوى الكردية، وعلى السعي إلى إنجاز تسوية وطنية مع هذه الأخيرة. وتجلّى ذلك المسعى بوضوح في سلسلة اجتماعات حكومية عُقدت منذ شهر آب الفائت، مع العديد من قيادات الأحزاب الكردية، للوقوف على رؤيتها للحلّ، خاصة أن دمشق ترفض اعتبار «قسد» نفسها ممثّلة وحيدة للكرد السوريين أو أهالي مناطق شمال سوريا وشرقها. وبدأت اللقاءات في إطار محلّي في مدينة الحسكة، بغرض الاستماع إلى مختلف وجهات النظر حول الملفّات العسكرية والإدارية والاقتصادية والتعليمية، قبل أن تنتقل عبر وفد مصغَّر إلى دمشق، للتأسيس لحوار وطني يكون كفيلاً بمعالجة هذا الملفّ سلمياً. وفي أعقاب ذلك، جاءت التهديدات التركية الأخيرة بشنّ عملية برّية على مدن الشريط الحدودي وبلداته، لتمثّل فرصة لتسريع الحوار بين الطرفَين، وهو ما تُرجم بالفعل على الأرض من خلال تسريع وتيرة اللقاءات في كلّ من القامشلي ودمشق برعاية روسية، وأثمر حينها انتشار أعداد إضافية من جنود الجيش السوري على الحدود، والاتفاق على إيجاد مخارج تنزع الذرائع التركية لاحتلال المزيد من الأراضي السورية.
على أن هذه الخطوات لم تلقَ على ما يبدو استحساناً أميركياً، وهو ما دفَع واشنطن إلى تكثيف الزيارات العسكرية والديبلوماسية إلى المنطقة، بهدف ثني الأكراد عن المضيّ في أيّ اتّفاق جديد مع الحكومة والروس، على حساب العلاقة معها. وفي هذا الاتّجاه، استقدم الأميركيون أربع دفعات من الأسلحة والمعدّات إلى مناطق سيطرة «قسد» خلال أقلّ من شهر، كما بدؤوا بأعمال تأهيل «مقرّ الفرقة 17» في مدينة الرقة تمهيداً لإعادة التمركز فيها من جديد، في مسعى منهم لإقناع الأكراد بأنهم لا يزالون شركاء فاعلين لهم، وسيمنعون أيّ خطوات من شأنها زعزعة استقرار مناطق سيطرتهم. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «آخر لقاء بين ممثّلين عن الحكومة السورية وشخصيات من مناطق سيطرة قسد، جرى منذ أقلّ من شهر، وانتهى بالاتفاق على تشكيل لجان لدراسة ردْم الهوّة بين الجانبَين». لكن «قيادات قسد يبدون تصلّباً في المواقف، ويطالبون بالإقرار الدستوري بوجود الإدارة الذاتية»، بحسب المصادر نفسها، التي تضيف أن هؤلاء «يرفضون فكّ ارتباطهم بالأميركيين، وهو ما يعقّد الحوار ويجعله من دون أيّ جدوى». ولا تستبعد المصادر أن «يحرّض الأميركيون قسد ضد دمشق، ويدفعوها إلى اتّخاذ خطوات عدائية، بهدف محاولة عرقلة تقاربها مع أنقرة».