التبريرات التي طالما استخدمتها الصحف الغربية في اصطفافها وراء الدبابات والطائرات الإسرائيلية، لتعلّل كل عدوان تقوم به الدولة العبرية على الفلسطينيين، اصطدمت خلال عملية «الجرف الصامد» بواقع فرض نفسه على المشهد العام الذي تراقبه. بعد مرور 15 يوماً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استدرك الإعلام الغربي أن هناك جانباً إنسانياً لا يمكن إغفاله، وأن «الدروع البشرية» التي تتذرّع بها إسرائيل عادة، لم تعد حجّة نافعة.
في تقرير نشرته صحيفة «ذي اندبندنت» البريطانية بعنوان «أسطورة دروع حماس البشرية»، تشير إلى أنه في الوقت الذي قصفت فيه الطائرات الإسرائيلية منزلاً من ثلاثة طوابق وقتلت 26 شخصاً، 24 منهم من عائلة أبو جمعة، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يشنّ حملته ويشحن الإعلام ضد «حماس»، متهماً إياها باستخدام المدنيين في غزة كـ«دروع بشرية»، في إطار سعي الإسرائيليين المكثف لدعم قضيتهم وإثبات تخزين صواريخ وأسلحة داخل المنازل والمدارس والمساجد. وتلفت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ، في اليوم نفسه، هجوماً صاروخياً على منزل لذوي الاحتياجات الخاصة في بيت لاهيا، ما أدى إلى مقتل اثنين من السكان المعوّقين وإصابة أربعة آخرين. وهي إذ تضيف أن أحد الجيران ادّعى، حينها، أن عضواً في جماعة «الجهاد الإسلامي» وزوجته يعيشان في المبنى، تنقل عن الاختصاصية الاجتماعية جميلة عليوة، التي أسّست هذا المرفق، ردّها أن هذه الادعاءات غير صحيحة أبداً.

استدرك الإعلام الغربي أن
«الدروع البشرية» التي تتذرّع بها إسرائيل لم تعد حجّة نافعة


أما السبب الذي يؤدي إلى استشهاد عائلات بأكملها نتيجة قصف المنازل، وفق الصحيفة، فهو إصرار أعضاء هذه العائلات على البقاء معاً. «إلى أين نذهب؟» يسأل أحد أبناء غزة، بحسب «ذي اندبندنت». ويضيف أن «بعض الناس انتقل من أطراف مدينة خان يونس إلى وسطها، بعد تهديد الإسرائيليين بالقصف، بعد ذلك قُصف وسط المدينة، فانتقل الناس إلى مدينة غزة التي قصفها الإسرائيليون أيضاً»، ويقول: «ليست حماس التي تأمرنا بأن نكون في أماكن القصف والخطر، إنهم الإسرائيليون».
بعض العائلات ذكرت أنه لم يكن هناك أي مكان آخر للذهاب إليه عند تركهم لمنازلهم. كثير من تلك العائلات قررت عدم التخلي عن منازلها، وفق الصحيفة، لأن «إسرائيل ستضرب المنزل الخالي عن قصد»، وفق ما يقول أحد السكان، الذي يرى أن البقاء في المنزل «ربما يمكّننا من التأكد من أن ذلك لن يحصل».
الأمر نفسه تطرقت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية التي استحضرت التبريرات الإسرائيلية المعهودة ودحضتها بتطرقها إلى عدد من الوقائع الميدانية.
وتعقيباً على قول أحد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين إن «حماس تحبس الناس داخل الشقق في الوقت الذي تقوم فيه بإطلاق الصواريخ من هناك»، تشير الصحيفة إلى أن «هذه الحالة لم تنطبق على منزل آل أبو جامع، حيث كانت العائلة مجتمعة على الإفطار، الأمر الذي كان يجب أن يدركه المسؤولون الإسرائيليون».
وفي تقرير آخر، تشير الصحيفة إلى أنه في حين «يؤكّد الجيش الإسرائيلي للعالم أنه يحذّر الناس قبل قصف أي مكان»، يأتي الردّ الفلسطيني على ذلك بالقول: «إلى أين نذهب؟». فـ«ملاجئ الأمم المتحدة ممتلئة بالفعل، وبعض الفلسطينيين يخشون أنها ليست آمنة»، وفق ما تضيف الصحيفة الأميركية. الكاتب والناشط السياسي البريطاني ريتشارد سيمور عبّر عن سخطه تجاه الحجج الإسرائيلية، في مقال في صحيفة «ذي غارديان». وفي 21 سطراً، كل واحد منها يحتوي على جملة مختلفة عن التالية، يعدّد سيمور هذه الذرائع الواهية.
«إنهم يختبئون في مستشفى الوفاء، يختبئون في مستشفى الأقصى، على الشاطئ حيث يلعب الأطفال، في كامل حي الشجاعية السكني، في رفح وخان يونس، في منزل الشاعر عثمان حسين، في آلاف المنازل المهدمة والمدمرة، في 84 مدرسة و23 مرفقاً طبياً، في سيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى...»، ليخلص إلى القول إن «حماس، يقولون لنا، جبانة وساخرة».