بغداد | لا تزال «سرقة القرن» تتفاعل في أوساط العراقيين؛ وإذ ينحو المقرّبون من حكومة محمد شياع السوداني، نحو تحميل رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، المسؤولية عنها، على اعتبار أن «كل المتورّطين فيها، معيَّنون من قِبَله»، فإن أحد أعضاء «لجنة النزاهة النيابية» المعنيّة مباشرة بالتحقيق في القضيّة، اعتبر أن السرقة نفسها جاءت نتيجة «تسوية سياسية»، ذلك أن المتّهم الرئيس فيها، نور زهير، هو شريك الأحزاب الحاكمة، وكان يعطيها أموالاً. وفي المقابل، يقول مصدر مقرّب من جهة مشارِكة في الحكومة، إن السوداني وجّه بعدم تسمية قيادات متورطة تابعة لـ«التيار الصدري»، تلافياً لأيّ نزاع جديد مع التيار
أحدثت سرقة أموال الأمانات الضريبية في «مصرف الرافدَين» ضجّة كبيرة في العراق، بعدما كشفت شخصيّات سياسية وبرلمانية عراقية، تحدّثت إلى «الأخبار»، تفاصيل مهمّة عن خيوط ترتبط بما سُمّي إعلاميّاً بـ«سرقة القرن»، التي قالت «لجنة النزاهة النيابية» في تقرير رسمي لها، إن رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، كانت لديه معلومات عن المبالغ المسروقة في إطارها، والتي استردّت السلطات العراقية جزءاً بسيطاً منها. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت «لجنة تقصي الحقائق» التي شكّلتها «لجنة النزاهة» عن إكمال تقريرها بصيغته النهائية، بعدما استمعت إلى أقوال 33 شخصيّة بشكل منفرد في تشرين الأول الماضي، أبرزها: وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي، عبر الدائرة التلفزيونية، ورئيس اللجنة المالية السابق والمستشار في حكومة الكاظمي هيثم الجبوري، ووزير النفط والمالية بالوكالة إحسان عبد الجبار، ومدير «مصرف الرافدَين» علي حسين محيسن، ووزيرة المالية الحالية طيف سامي، والرئيس السابق لـ«هيئة النزاهة» القاضي علاء الساعدي، ومدراء ومسؤولون آخرون في ديوان الرقابة المالية والبنك المركزي العراقي.
ويؤكد عضو «لجنة النزاهة النيابية»، هادي السلامي، لـ«الأخبار»، أن «الحلّ الوحيد هو محاسبة جميع الشخصيات والجهات المتنفّذة من دون استثناء»، مبيّناً أن «من الخفايا الحقيقية أن المتّهم نور زهير هو شريك الأحزاب الحاكمة، وكان يعطي أموالاً للأحزاب ويشاركونه فيها»، ومعتبراً أن حادثة السرقة جاءت في الأساس كـ «تسوية سياسية». وفي السياق ذاته، تقول النائبة عن كتلة «صادقون» البرلمانية التابعة لحركة «عصائب أهل الحق»، سهيلة السلطاني، إن «الدلائل ستُظهر، خلال الأيام المقبلة، تَورُّط الكاظمي بسرقة أموال الضرائب، وكيف جرت عمليّة اختلاسها بطرق غير قانونية». وتضيف، لـ«الأخبار»، أن «كل المتورّطين بالفساد كانوا في حكومة الكاظمي، ولا سيما المتورّطون في سرقة القرن»، موضحة أنه «عند اتباع كل الخيوط، ستجد أن مدبّري هذه السرقة مرتبطون مباشرة بالكاظمي، ومن بينهم مستشاره ومدير المخابرات وجميع الأشخاص الذين عُيّنوا من قِبَله». وتؤكد السلطاني أن «الجهات والتيارات السياسية التي كانت تطالب ببقاء الكاظمي في رئاسة الحكومة، كانت تريد ذلك من أجل بقاء الفساد وإتمام عمليّة السرقة»، مشيرة إلى أنّ «المتّهم بسرقة الأموال، نور زهير، كان تحت حماية الكاظمي شخصياً الذي كان متورّطاً من رأسه حتى أخمص قدميه».
وجّه السوداني بعدم الكشف عن أسماء القيادات التابعة لـ«التيار الصدري» المتورّطة بـ«سرقة القرن»


وفي وقت سابق، أشارت «لجنة تقصّي الحقائق»، في تقريرها المنشور على موقعها الرسمي، إلى «تدخّل رئيس الوزراء السابق من خلال اتصالات هاتفية، للضغط والتأثير على مسؤولين في وزارة المالية ومطالبتهم بعدم الرجوع إلى وزير المالية في حينه، علي علاوي، وتجاوزه. والأخير لديه معلومات عن المبالغ المسروقة». ووفق مصدر مقرّب من جهة مشاركة في الحكومة، تحدّث إلى «الأخبار»، فإنّ «فضيحة سرقة أموال الضرائب كان مخطّطاً لها بشكل دقيق من قِبَل شخصيات تابعة لجهات سياسية معروفة، ومن بينها قيادات في التيار الصدري، وعصائب أهل الحق، ومستشارون في مكتب رئيس الوزراء»، رابطاً معاداة «الصدري» وزعيمه، مقتدى الصدر، لوزير المالية السابق خلال فترة إدارته وحتى تقديم استقالته، بممارسة الضغط عليه، لتمرير بعض الصفقات الاستثمارية والمالية المشبوهة. ويؤكد المصدر أنّ رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، وجّه بعدم الكشف عن أسماء قيادات تابعة لـ«الصدري» كانت متورّطة بـ«سرقة القرن»، تلافياً لأيّ نزاع جديد مع التيار، قائلاً إنه «في نهاية الأمر، تواطأت جهات عديدة على سرقة الأموال، منها مسؤولون كبار في الدولة وموظّفو مصارف، وصولاً إلى أمن المطار الذي سمح للمتّهم نور زهير بالوصول إلى مدرج الطائرة للهروب من البلد».
وبين آب عام 2021 وأيلول 2022، قامت 5 شركات وهمية بسحب مبالغ ضخمة من حساب أمانات الهيئة العامة للضرائب في «مصرف الرافدَين» قدْرها 2.5 مليار دولار. ومن أبرز الشركات المتورّطة: «القانت» و«مبدعون» المملوكة لرَجل الأعمال نور زهير، والذي تم إلقاء القبض عليه في 24 تشرين الثاني الماضي على أيدي قوّة خاصة في «مطار بغداد الدولي» قبل محاولته الهروب خارج البلاد.
وفي شأن آلية عمل «لجنة تقصي الحقائق»، يَستبعد السياسي العراقي والوزير السابق لدورتَين حكوميتَين، محمد توفيق علاوي، نجاح لجان كهذه، وذلك نتيجة فشل عمل لجان سابقة، شُكّلت في قضايا مهمّة وحسّاسة، قائلاً، لـ«الأخبار»، إنه «لم يتأكد لحدّ الآن من نجاح عمل لجنة تقصّي الحقائق من عدمه، لأن عمليّة التقصّي والبحث عن المتورّطين معقّدة وتحتاج إلى دلائل وبراهين كافية». ويدعو علاوي، السوداني إلى ملاحقة المتورّطين بالفساد وسرّاقي أموال الضرائب العامّة، من أجل إنجاح إدارته وإثبات نزاهته في هكذا ملفّات مصيرية. ويتّفق النائبان عباس الجبوري وحسين عرب، على أنّه لا يمكن سرقة مبلغ كبير، إلّا إذا كانت الشخصيات التي قامت بالسرقة تتمتّع بغطاء سياسي، ويطالبان اللجنة بتسمية الشخصيات والجهات المتورّطة بكل حياديّة وشفافية، «حتى لا تتمّ تسوية هكذا سرقة ضخمة خلف الكواليس».
وفي ما يتعلّق بإطلاق سراح نور زهير بكفالة، يقول القاضي والخبير القانوني، مصدق عادل، إنها جاءت تطبيقاً للمادتَين 109 و110 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، و«بالتالي فإن قاضي التحقيق، في ظلّ الجواز القانوني الممنوح له، أَطلق سراحه بكفالة. لكن الكفالة ليست كما صوّرها الإعلام، أي نتيجة ضمانات شخصية وغيرها، بل إن القاضي وازن بين مصلحتَين، فإمّا أن يستمرّ توقيف المتّهم، وبالنتيجة قد لا يتمّ استرجاع المبلغ المسروق، أو يُطلَق سراحه بكفالة مقابل استرداد ما يتم استرداده من الأموال»، مشيراً إلى أن قاضي التحقيق حافظ على المال العام من خلال استرداده، كما لم يسمح بهروب المتّهم نور أو عدم محاكمته. وفي شأن انتهاء مهلة الـ14 يوماً التي أَطلقها السوداني، يقول القاضي مصدق، إن قرار قاضي التحقيق لا يتحدّد بمدّة معيّنة، إذ بإمكانه أن يُطلِق سراح المتّهم لأيّ مدّة، وذلك لأن الكفالة متوقّفة على إجراء المحاكمة أو طلب المحكمة للمتّهم. وتواصل الحكومة العراقية بحْثها عن بقيّة المتّهمين الذين لهم صلة بعملية السرقة من خلال امتلاكهم شركات وهمية، ضمن الشركات الخمس المذكورة، فيما تتحدّث مصادر خاصّة عن هروب متّهمَيْن إلى أربيل، وثالث إلى إسطنبول.