غزة | في الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاقتها، وفي وقت يبدو الفلسطينيون مُقبلين على مرحلة حُبلى بالتحدّيات والاستحقاقات، جاءت رسائل حركة «حماس»، في الشكل والمضمون، على قدْر ما يتطلّبه الموقف. إذ حملت الكلمة المُسجَّلة لقائدها العسكري، محمد الضيف، التي تُعدّ الأولى له منذ سنوات، مواقف تحدٍّ للفاشية الصاعدة في دولة الاحتلال، بمُخاطَبته القادة الإسرائيليين بأنهم «أعجزُ وأجبنُ من أن ينجحوا في ما فشل فيه آباؤهم»، وأن «نهايتهم ستكون هي غنيمتنا». أمّا كلمة قائد الحركة في غزة، يحيى السنوار، فقد أكّدت المؤكّد لناحية وجود قرار لدى المقاومة بدعم حالة الاشتباك والمواجهة في الضفة الغربية، فيما أنذرت العدو بقُرب انتهاء المهلة الممنوحة له لإنهاء ملفّ الأسرى، تحت طائلة «دفْنه نهائياً، وإيجاد طريقة أخرى من أجل تحرير الأسرى». وبينما أظْهر العرض العسكري الذي نظّمته «كتائب القسام» بالمناسبة، والذي تَرافق مع تسيير سرْب - لا واحدة كما في المرّات السابقة - من الطائرات المسيّرة فوق الحشد الجماهيري، بتطوّر قدرات الكتائب في هذا المجال خصوصاً، فقد جلّى استعراضُ أحد مُقاتليها بندقية الضابط الإسرائيلي الأسير لديها، هدار غولدن، شيئاً مـ«مّا يمتلكه مُجاهدونا من رصيد في هذا الملفّ المهمّ»، وأنبأ بأن عملية الأسر عام 2014 تمّت بأريحية أتاحت للمقاتلين التركيز على متعلّقات الأسير، بالتالي بأن فرصة نجاة الأخير وبقائه على قيد الحياة كانت عالية بالفعل
وسط حشد جماهيري كبير في قطاع غزة، أوصلت حركة «حماس» رسائلها، في ذكرى انطلاقتها الخامسة والثلاثين، إلى كلّ «مَن يعنيهم الأمر»، عبر ألْسنة ثلاثة: قائدها في غزة يحيى السنوار، وقائد جناحها العسكري محمد الضيف، وأحد مُقاتليها الذي أماط اللثام لأوّل مرّة عن بندقية الضابط الإسرائيلي الأسير لديهم، هدار غولدن. وفي أولى تلك الرسائل، قال السنوار إنه «بحسب ما أكّدته لنا استخبارات كتائب القسام - الجناح العسكري لحماس -، أدركْنا أنّنا سنكون خلال عام 2023 أمام استحقاقات كبرى، حيث قدّرت استخباراتنا أن اليمين الصهيوني سيكسر كلّ الخطوط الحمراء». ومن هنا، فقد دعا إلى أن «نهبّ هَبّة رجل واحد دفاعاً عن الأقصى، وأن تكون الأمّة الحيّة جاهزة للزحف بطوفان هادر لاقتلاع الاحتلال من الأرض الفلسطينية»، مشيراً إلى «(أنّنا) أعطيْنا الفرصة لاشتعال المقاومة في الضفة لأنها قلْب المقاومة، ولنُعطيَ أهلنا في القطاع مزيداً من الوقت لالتقاط الأنفاس».
وفي ما يتعلّق بملفّ الأسرى، كشف أن جولات تفاوض غير مباشر جرت مع الاحتلال قُبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لإنجاز صفقة التبادل، إلّا أنها توقّفت بعد الانتخابات، متّهماً الاحتلال بالمراوغة، محذّراً من أنه «في حال لم يتمّ تحريك الملفّ مجدّداً ضمن مهلة محدّدة، فسنعمل على دفنه، وسنجد طريقة أخرى من أجل تحرير الأسرى». ولفت إلى أنه في خلال تلك الجولات، قدّمت «حماس» مطالبها، المتمثّلة في الإفراج عن معتقَلي «صفقة شاليط» والأسيرات والأطفال والمرضى، وعلى رأسهم الأسير القائد ناصر أبو حميد والأسير القائد وليد دقة والجثامين المحتجَزة، مقابل تسليم أسيرَين إسرائيليَّين اثنين، وصندوقَين أسودَين يضمّان إمّا جثمانَي الأسيرَين الآخرَين أو دليل حياتهما. وحذّر السنوار الحكومة الإسرائيلية المقبلة من مغبّة انتهاكها للمقدّسات والأرض الفلسطينية، مؤكدًا أن «المقاومة والشعب الفلسطيني سيُفشلان مخطّطاتها». وجزم أن «حماس على وفاق كامل مع كلّ مَن يحمل البندقية»، مُذكّراً بأنها «لم تختلف مع فتح حين كانت الأخيرة تحمل راية الكفاح المسلّح، ولكن اختلافها معها كان بسبب مسار التسوية والتنسيق»، مجدّداً رفْض حركته «الالتزام بقرارات الشرعية والرباعية الدولية باعتبارها قرارات لا تنصف الشعب الفلسطيني وقضيّته».

أوّل ظهور للضيف منذ سنوات
وفي أوّل كلمة مسجّلة له منذ ثماني سنوات، دعا قائد أركان الجناح العسكري لحركة «حماس» إلى «توحّد جميع الرايات، والتئام كلّ الجبهات والساحات من أجل تحرير فلسطين»، مُنذِراً الإسرائيليين بـ«قُرب نهاية كيانهم وكنْسهم عن الأرض الفلسطينية». وتَوجّه الضيف إلى الفلسطينيين بالقول: «يا أهلنا، يا شعبنا، طوبى لكم شرف السبْق في كلّ مَواطن الجهاد، فأنتم السابقون السابقون، قدّمتُم للمقاومة فلذات الأكباد، سلام عليكم يا أهل الشهداء والجرحى والمصابين والأسرى والمبعدَين، وعهداً أن نُواصل طريق الشهداء حتى نلقى الله مُقبِلين غير مدبِرين». أمّا لقادة الاحتلال، فقال: «أيّها الغرباء عن أرضنا، لقد عجز آباؤكم المؤسِّسون وهُم في قمّة جبروتهم وانتمائهم إلى فكرة الصهيونية الخبيثة عن استئصال شعبنا أو طمْس هويّتنا، فأنتم اليوم أعجزُ وأجبنُ من أن تنجحوا في ما فشل فيه آباؤكم»، مضيفاً: «ستكون نهايتكم وزوال كيانكم وكنسكم عن أرضنا هي غنيمتنا ووعد ربّنا الذي لن يتأخّر عنكم».
جدّدت «حماس» تأكيدها أن «المقاومة المسلّحة هي خيارها الاستراتيجي لردع الاحتلال»


من جهتها، وجّهت «الهيئة العليا لأسرى حركة حماس» رسالة، عبر المهرجان، إلى قيادة الحركة، وعلى رأسها الضيف، من أجل «التدخّل المباشر بما يضمن تحرير أسرى المقاومة في أسرعِ وقت»، مؤكّدة أن «ثقة الأسرى هي باتّخاذ المقاومة وقيادتها القرار لإنجاز (...) واجب ينبغي أن تسعى لتحقيقه بكلّ ما أوتيَت من قوّة وإمكانات». واعتبرت أنه «لا بدّ من تغيير سياسة التعاطي مع ملفّ حريتنا تغييراً جذرياً، بحيث تمتلك المقاومة زمام المبادرة مجدّداً، ولا سيما أنها أكدت في أكثر من مناسبة وعدَها بإنجاز صفقة مشرّفة». في المقابل، وقبل نهاية المهرجان، كشفت «كتائب القسام» مفاجأة من العيار الثقيل؛ إذ حَمل أحد مُقاتليها من «وحدة الظلّ»، المسؤولة عن تأمين الجنود الأسرى، بندقية الضابط الأسير، قائلاً: «تاريخ 01/08/2014 شهد على خيبة جيش العدو الصهيوني عندما فُقد الاتّصال بالضابط هدار جولدن، إلّا أنه كان موصولاً بالأبطال المظفّرين الغانمين». وأوضحت الكتائب أن البندقية التي تحمل الرقم 42852351 اغتنمها مجاهدو «القسام» أثناء عملية الأسر، لتكون هذه إشارة إلى «ما يمتلكه مُجاهدونا من رصيد في هذا الملفّ المهمّ». من ناحية أخرى، وفي رسالة حول تطوّر قدرات الجناح العسكري لـ«حماس» في مجال الطيران المسيّر، سيّرت «كتائب القسام»، تزامناً مع استعراضها نُخبة من مُقاتليها، سرباً من خمس طائرات مسيّرة من طراز «شهاب» فوق الحشد الجماهيري.

مواقف سياسية
وفي ختام المهرجان، جدّدت «حماس» تأكيدها أن «المقاومة المسلّحة هي خيارها الاستراتيجي لردع الاحتلال والعمل على إزالته من فلسطين»، مشدّدةً على أن «القدس والمسجد الأقصى المبارك هما قلْب الصراع مع الاحتلال، ولا شرعية ولا سيادة فيهما له، ولن تفلح كلّ محاولاته في التهويد وتغيير المعالم». كما أكدت أن «قضية الأسرى ستبقى على رأس أولوياتها، وأنها ستعمل على تحريرهم»، مشيدةً بـ«صمودهم وثباتهم في مواجهة إجرام السجّان الإسرائيلي». واعتبرت أن «بناء شراكة وطنية حقيقية وجادّة، قائمة على برنامج نضالي موحّد، هو السبيل لمواجهة الاحتلال وحكومته الفاشية، ولن يتأتّى ذلك إلّا بالمُضيّ في تنفيذ إعلان الجزائر وما سبقه من وثائق سياسية وتفاهمات، تفضي إلى استعادة الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني، على أسس وطنية وديموقراطية على قاعدة مواجهة الاحتلال وتحقيق تطلّعات شعبنا في التحرير والعودة»، كما جاء في نصّ بيانها. وكرّرت أن «حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي هُجّروا منها قسراً، هو حقّ مقدّس غير قابل للتنازل»، مجدّدةً رفضها كلّ مشاريع التوطين، داعيةً كلّ الدول والمؤسّسات إلى «توفير الحماية والحياة الحرّة الكريمة لهم، وإلى تعزيز صمودهم إلى حين عودتهم».