القاهرة | مع اشتداد الأزمة التي تعصف بالاقتصاد المصري، تتّجه الحكومة إلى تحميل المواطنين جزءاً كبيراً من تَبِعات هذه الأزمة، من خلال إقرار مزيد من الضرائب والجمارك والرسوم. ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه عملية بيع جزء من أصول الدولة إلى دول خليجية، والتحرّكات الحثيثة لاستقطاب الدولارات من مصريّي الخارج، من أجل إعادة توجيهها نحو أوجه إنفاق أخرى، وبالتالي محاولة تسجيل أرقام إيجابية في الموازنة، حتى مع تراجُع سعر صرف الجنيه، وتجميد بيئة الأعمال على مختلف المستويات لِعدم توافر العملة الصعبة. وعلى رغم تفاؤل وزير المالية ومسؤولي السياسات النقدية بالقدرة على جميع مزيد من الأموال عبر استعادة أموال المستثمرين التي خرجت من السوق المصرية بداية 2022، واستقطاب نحو 20 مليار دولار في غضون فترة وجيزة، إلّا أن الواضح أن جزءاً من الأزمة مرتبط بعجز الحكومة عن إدارة الموارد المالية الموجودة بالفعل، في حين ارتفعت احتياجات السوق إلى أكثر من 5 مليارات دولار، هي عبارة عن طلبات عالقة.وتتضمّن خطّة الحكومة المالية والضريبية تعديل الرسوم المفروضة على قطاعات عدّة في الدولة، وفق مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل، يُتوقّع أن يدخل حيّز التنفيذ بداية العام المقبل، علماً أنه ينصّ على إقرار شريحة ضريبية جديدة للدخل الذي يزيد عن 800 ألف جنيه سنوياً (32 ألف دولار)، تبلغ قيمتها 27.5% من قيمته. ويُعتبر التعديل الخاص بضريبة الدخل التصاعدية، أحد البنود المطلوبة من «صندوق النقد الدولي» مقابل موافقته على قرض الـ3 مليارات دولار لصالح مصر. كذلك، ستشدّد الحكومة إجراءاتها على جميع المنافذ البرّية والجوّية والبحرية، بما يشمل تسديد رسوم جمركية عن السلع والواردات الشخصية حتى لو كانت ذات قيمة هزيلة، مِن مِثل تلك التي تزيد قيمتها عن 10 آلاف جنيه (350 دولار)، وهو ما كان يتمّ التغاضي عنه في غالبية الأوقات سابقاً، خاصة وأن أسعار السلع المذكورة محدَّدة بالجنيه منذ أن كان سعر صرف الدولار يعادل 5.5 جنيهات، بينما بلغ اليوم قرابة 25 جنيهاً في البنوك و33 في السوق السوداء.
تُواصل الحكومة المصرية بيع أصول الدولة لدول الخليج وآخرها بنك المصرف المتحد


يضاف إلى ما تَقدّم، أن خزانة الدولة ترتقب واردات إضافية من إقرار تعديلات قانون التصالح على مخالفات البناء، والتي يُنتظر أن تدرّ ملايين الجنيهات بشكل فوري، بعد أن يسدّدها المواطنون في مراكز البلديات. وبدأت هذه المراكز، بالفعل، استقبال رسوم التراخيص لأنشطة المحلّات، التي تفيد إحصائيات رسمية بوجود نحو 5 ملايين محلّ منها من دون ترخيص. ومن ضمن ما تُعوّل عليه الحكومة أيضاً، تسهيل استيراد المصريين المقيمين في الخارج للسيارات، مقابل ودائع بالدولار توضع بقيمة الرسوم والجمارك في البنك المركزي، وتُستردّ بالجنيه المصري بعد 5 سنوات من دون عائد، فضلاً عن فتْح الباب أمامهم لشراء عقارات ووحدات سكنية بالدولار خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مع تسهيلات في السداد، شرط أن يقوموا بتحويل أموال بالدولار من الخارج. وخلال الأيام الماضية، أوقفت سلطات المطار عدّة مصريين عائدين من الخارج برفقتهم سبائك ذهبية، بدعوى تجاوز قيمتها المبلغ المسموح بحيازته، لتَفرض عليهم رسوماً بلغت 24% من إجمالي سعرها، مقسَّمة بين ضريبة القيمة المضافة والجمارك، وهو ما لم يكن يحدث مِن قَبل.
على خطّ موازٍ، تُواصل الحكومة عملية بيع أصول الدولة لدول الخليج، التي تتنافس على شراء الشركات والمؤسّسات الناجحة بأسعار زهيدة، وآخرها بنك المصرف المتحد الذي حقّق أرباحاً العام الماضي تفوق مليار جنيه، ويسعى «صندوق الاستثمارات السعودي» للاستحواذ عليه مقابل 600 مليون دولار فقط، في ما يمثّل رقماً هزيلاً للغاية مقارنة بأرباح البنك وأصوله المنتشرة على كامل الأراضي المصرية. ويبلغ رأس مال «المتحد» 5 مليارات جنيه بحسب آخر تعديلات أجراها مجلس إدارة المصرف، العام الماضي، للتوافق مع قانون البنك المركزي الذي بدأ تطبيقه آنذاك، وهو ما يعني أن «المتحد» جرى بيعه بشكل شبه مجاني للصندوق السعودي الذي تُمثّله في مصر «الشركة السعودية المصرية للاستثمار»، التي أُسّست بداية العام الحالي لتنفيذ عمليات شراء واستحواذ في السوق المصرية، بناءً على توجيهات من الديوان الملكي السعودي.