رام الله | مثّل الظهور الساطع لمجموعة «عرين الأسود» في البلدة القديمة في نابلس، الجمعة، رصاصة في رأس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي احتفت بزعْم نجاحها في اجتثاث المجموعة المسلّحة، وفشلاً جديداً لعملية «كاسر الأمواج» بعد نحو 10 أشهر من انطلاقها. وجاء ظهور مقاتلي المجموعة خلال حفل تأبين قائدها، وديع الحوح، وكوكبة من شهدائها، استثنائيّاً بكل المقاييس، ومفاجئاً للجميع، وغير متوقَّع، بخاصّة أنه بدا أقوى من أيّ ظهور سبق، نظراً إلى عدد المقاومين المشاركين، والاحتياطات الأمنية المتّخذة من قِبَلهم. واكتسبت عودة «العرين» أهميّة وزخماً لكونها أعقبت ما مرّت به المجموعة، أخيراً، من مدّ وجزر، في ضوء محاولات الاحتلال اجتثاثها، واندفاعه عقب اغتيال قائدها، الحوح، إلى الادعاء أنه أنهى المجموعة. وترافقت هذه المزاعم أيضاً مع جهود حثيثة بذلتها السلطة الفلسطينية لاحتواء ما تبقّى من عناصر «العرين»، عبر مفاوضتهم لتسليم سلاحهم، في مقابل التعهّد بحصولهم على إعفاء من جانب إسرائيل، إذ زعم الإعلام العبري، آنذاك، أن 60 عنصراً من «العرين» سلّموا أنفسهم للسلطة.وبعودتها، رسّخت «العرين» مصداقية كبيرة، إذ كانت أكدت، في بياناتها السابقة، أنها بخير ولم تنتهِ، على رغم اعتبار البعض ما جاء في متنها مبالغاً فيه أحياناً. كذلك، جاء ظهورها ليفنّد ادعاءات الاحتلال ويثبط جهود السلطة، لا سيما وأنه ترافق مع تبنّي المجموعة عمليتَي إطلاق نار على حاجزَي حوارة وبيت فوريك. وارتفع، في اليومَين الماضيَين، عدد عمليات إطلاق النار على الحواجز العسكرية ونقاط جيش الاحتلال في محافظة نابلس، والتي تبنّت «عرين الأسود» إلى جانب «كتيبة بلاطة» عدداً منها، ما يدلّ على عودتها إلى زخْم عملياتها السابقة، إذ شهدت الضفة، في الساعات الـ24 الماضية، 19 عملاً مقاوِماً، من بينها 7 عمليات إطلاق نار وإلقاء عبوات متفجرة.
ويُعدّ العرض العسكري لـ«العرين» بمثابة ولادة جديدة للمجموعة المقاوِمة، التي وجّهت، في بيان ألقاه أحد عناصرها، رسائل في عدّة اتجاهات: أوّلها، إلى الشارع الفلسطيني بأنها لا تزال بخير على رغم كل الضربات ومحاولات إنهائها، وأنها لا تتبع أيّ فصيل سياسي، قائلة إن المسير العسكري الذي نظّمته ما هو إلّا «جزء بسيط ممّا لدينا (...) أردنا أن نطمئن أبناء شعبنا على عرينهم ونوجّه بهذا المسير رسالة إلى شعب الكيان بأن جيشكم يكذب عليكم ويجرّكم إلى الهاوية بإذن الله». وثانيها إلى العدو الإسرائيلي والسلطة بأن محاولات إنهائها فشلت و«مَن يظنّ ذلك فهو واهم». ولعلّ ما أكسب عودتها أهميّة كبيرة، أنها ترافقت مع ما جاء في البيان من «دراسة العرين» للمرحلة الماضية، إذ قالت: «نحن في مجموعة عرين الأسود نستفيد ونتعلّم من الواقع الذي نتعامل معه، ونفاجئ العدو في ساحات المعارك... أيام الأربعين قد انتهت وحان موعد الزئير وانتظروا منّا أفعالنا».
جهدت السلطة الفلسطينية لاحتواء ما تبقّى من عناصر «العرين»


وساهمت مجموعة «العرين»، منذ الإعلان عنها، في رفع مستوى الاشتباك في الضفة الغربية، إلى جانب «كتيبة جنين» التي سبقتها في الظهور، وخلقت وعياً مقاوِماً وحالة اشتباك عامة، واكتسبت شعبية واسعة، فيما سيشكّل الظهور الأخير لها، عاملاً معزّزاً لحالة الاشتباك الممتدّة في عموم الضفة. ويُتفق أن الظهور الأخير، والذي جاء في الأيام الأخيرة لحكومة لابيد - غانتس التي تغنّت في إنهاء «العرين»، توّجها بالفشل والإخفاق؛ فالتقديرات الأمنية الإسرائيلية ترى أن سياسة لابيد ووزير أمنه أخفقت في تحقيق أهدافها بقمع ما سمّته «الإرهاب»، وتفكيك البنى التحتية المسلّحة، وهو ما أسهم في ظهور مجموعات مسلّحة جديدة، أبرزها «عرين الأسود» في منطقة نابلس، و«عش الدبابير» في مخيم جنين. وعقب هذا العرض، سلّط الإعلام العبري الضوء على الواقع في الضفة، فقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن الضفة تحوّلت، خلال الأشهر الأخيرة، إلى مخزن سلاح كبير، سيكون من الصعب السيطرة عليه حالَ اندلاع تصعيد كبير. ونقلت عن ضابط كبير في الجيش، قوله إن «مناطق الضفة باتت أشبه بمخزن كبير للسلاح، في ظلّ استمرار عمليات السطو على المخازن، وعمليات التهريب المتواصلة عبر الحدود مع الأردن ومصر».
وفي تعليقه على ظهور «العرين»، قال مدير مركز «يبوس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، سليمان بشارات، لـ«الأخبار»، إنه «فاجأ المراقبين لعدّة أسباب، أوّلها أن المجموعة تلقّت، في الأسابيع الماضية، العديد من الضربات باغتيال مجموعة من قياداتها وكوادرها، حتى ظنّ البعض أنها انتهت، وبات الحديث عن أشخاص معدودين وتأثيرهم الميداني محدود، كما جرى الحديث عن عقْد الأجهزة الأمنية اتفاقات مع العديد من عناصرها». ولفت بشارات إلى أن أكثر ما يمكن ملاحظته في الظهور الأخير للمجموعة، هو إعلامهم، خصوصاً أن المقاومين «خرجوا بشكل مفاجئ ومنظَّم وبزيّ موحّد، إضافة إلى امتلاكهم بعض الأدوات المتطوّرة ومن ضمنها الكاميرات، وهو ما يدلّ على بداية تأسيس نواة إعلامية لإيصال رسالتهم وبعض المشاهد التي يرغبون في إيصالها». ووفق بشارات، فإن ظاهرة «العرين» قد تكون من «الظواهر المهمّة التي استطاعت أن تحظى باهتمام وثقة الفلسطينيين، وهو ما سهّل عليها إعادة تأهيل ذاتها. وهذا ربّما ما يُقلق إسرائيل، ويطرح تساؤلات حول قوّة المجموعة مجتمعياً وتغلغلها وإمكانية امتدادها لتتحوّل من حالة مرتبطة ببعض الأشخاص، إلى حالة أكثر تنظيماً».
وحول مصداقية «العرين» التي تجلّت في الظهور الأخير، قال بشارات «كمراقبين، اعتقدنا في لحظة ما أن هناك مبالغة في بيانات العرين، بخاصة بعد اغتيال عدد من قادتها، والحديث عن استسلام البعض الآخر للسلطة، لكن مشهد الجمعة أعاد الأمر إلى سياقه الطبيعي الأول، إذ استطاعت المجموعة الحفاظ على مصداقيتها وربما تعزيزها... والعمليات الأخيرة تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت العرين قد رمّمت نفسها وخلقت توازنات جديدة... وهذه أسئلة ربّما تحمل الأيام المقبلة إجابة عليها». وعن كيفية تلقّي الإعلام العبري لظهور «العرين»، قال المختصّ في الشأن العبري، عصمت منصور، لـ«الأخبار»، إنه كان «متفاجئاً، واعتُبر فشلاً لحكومة لابيد - غانتس»، وتساءل عمّا إذا كانت هذه العودة تعني عودة العمليات، لافتاً إلى أن الإعلام العبري سلّط الضوء على التضليل الذي قام به لابيد وغانتس، خلال الفترة الماضية، والذي ترافق مع الانتخابات في شأن إنهاء هذه الظاهرة، بينما سادت دعوات إلى إعادة تشديد القبضة الأمنية على مدينة نابلس. ولفت منصور إلى أن إسرائيل تدرس من الناحية الاستخبارية والأمنية هذا الظهور، وما إذا كان «جدياً أو استعراضياً».