غزة | لم تمحُ الحرب التوق إلى الحياة من نفوس الفلسطينيين في غزة. فلا تزال العادات الرمضانية متواصلة رغم تأثير القصف على الحركة التجارية، لكنه لم يفلح في اقتلاع الناس من شوارع مدنهم أو ثنيهم عن متابعة حياتهم اليومية.
في زاوية سوق مخيم جباليا، يقف بائع خروب يدعى أبو محمد جبريل. كان مشغولاً في تعبئة قوارير العصير لزبائنه الذين قصدوه لشراء المشروب المفضّل على موائد إفطار الغزيين. يؤكد البائع لـ«الأخبار» أن الحرب لم تمنعه من المجيء إلى السوق برفقة بائعين آخرين حتى يعرضوا بضاعتهم على الناس، قائلاً إن المكوث في المنزل «ما بيطعمي عيش».
يجوب عشرات المواطنين السوق نفسها لشراء أقل مما يلزمهم من احتياجاتهم المنزلية جراء الحالة المادية البائسة التي يعانيها أهالي غزة في ظلّ الحصار وأزمة الرواتب. لكن حالة سوق جباليا ليست فريدة، إذ تتشابه أجواء الأسواق في القطاع هذه الأيام، فلم يتخلَّ المواطنون عن النزول إلى الشارع لمواصلة حياتهم بصورةٍ طبيعية قدر المستطاع.
من جهته، لم يلحظ بائع القطائف، أحمد حرب، أي تراجع في مستوى بيع الحلوى الرمضانية هذه السنة، مؤكداً أن زبائنه يحتفظون بعاداتهم.
ويوضح حرب لـ«الأخبار» أن زبائنه يصطفون لشراء القطائف من بعد ساعات الظهر حتى أذان المغرب، مشيراً إلى أن معظمهم صاروا يطلبون الشراء بالدَّين، خصوصاً الموظفين الذين لم يتلّقوا رواتبهم بعد.

لم تمنع الحرب
الغزيين من بعض عاداتهم الرمضانية
أما أبو موسى المدهون، وهو من سكان حيّ الشيخ رضوان في غزة، فيصطحب كعادته اليومية في رمضان صديقه إلى السوق الذي يبعد عن منزله حوالى كيلومتر واحد مشياً على الأقدام، وذلك من أجل شراء الخضروات استعداداً للإفطار.
ويرى المدهون أن من يظن أن الفلسطينيين لا يتمتعون بإرادة الحياة خلال الحرب فهو مخطئ، ويؤكد الرجل الأربعيني أن الحرب لن تحرمهم مزاولة حياتهم حتى تحت تهديد القصف.
إلى جانب التبضّع، لم يتوقف الغزيون عن ارتياد المساجد لأداء صلاة التراويح تحت التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع، وواصلوا التوافد إليها بكثافة رغم استهداف محيط عدد من المساجد، مثل مسجد طارق بن زياد في حي الشجاعية شرق غزة، ومسجد علي بن أبي طالب في حي الزيتون (شرق) وغيرها جنوباً.
المواطن محمد شنن قال إنه يواظب على أداء الصلاة في مسجده الواقع شرق غزة. وعبّر عن اطمئنانه لمشيئة الله قائلاً: «إذا استهدفنا صاروخ خلال الذهاب إلى المسجد فنعم الموت». ويشير شنن في حديثٍ مع «الأخبار» إلى أنه رغم اشتداد القصف والدمار فإن جيرانه يحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها داخل المساجد، بما فيها صلاة الفجر التي صار الخروج إليها مجازفة على ضوء استهداف الطائرات الحربية المدنيين، لكنه لا يخفي اضطرار بعض المساجد إلى الجمع بين الصلوات في ظل الخطورة القائمة وغياب الكهرباء.
لعلّ الأمر الوحيد الذي تغيّر في رمضان هذا العام هو تلبية الغزيين العزائم وإقامة الموائد الرمضانية، وذلك تجنباً للتجمعات وخوفاً من التنقل بين محافظة وأخرى، خاصة أن الاحتلال وزع منشورات تحذيرية على الأطراف الحدودية الشرقية والشمالية للقطاع، فضلاً عن إجرائه اتصالات مباشرة بالمواطنين طالبهم فيها بضرورة إخلاء منازلهم والتوجه إلى قلب المدينة.
ويُرجع أستاذ علم النفس الاجتماعي، درداح الشاعر، الثقة العالية في نفوس المواطنين إلى «الإيمان والتسليم بقضاء الله»، إضافة إلى «حالة الحصانة الذاتية المكتسبة من الحروب الماضية التي عاشوا خلالها معاناة وآلاماً كبيرة».
وأكد الشاعر في حديث إلى «الأخبار» أنه ليس من السهولة على المواطنين التخلي عن العادات الرمضانية التي مارسوها على مدار سنوات مضت برغم الظروف الصعبة، موضحاً أن «الروح المعنوية العالية للشعب الفلسطيني نابعة من رضاه عن أداء المقاومة وثقته بانتصارها». وأشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أن الاحتلال كان يهدف عبر بث رسائل التهديد إلى زعزعة ثقة الناس وإرباكهم، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن المقاومة تستمد بدورها قوتها من صمود الجبهة الداخلية، «ومن رفض الشعب الانسحاب من المناطق الحدودية حتى لا تكون الساحة مفتوحة للاحتلال».