الحسكة | سُجّل، خلال الأيام الماضية، نشاط مكثَّف لوفود أميركية وأخرى فرنسية، جالت في مناطق عديدة خاضعة لسيطرة «قسد»، وبعضها يشهد تواجداً للروس والجيش السوري في كلّ من منبج وعين العرب، وذلك في محاولة لتقديم جرعة دعم معنوي للقوى الكردية، وإقناعها باستمرار الدعم العسكري لها، والحؤول دون أيّ تقارب بينها وبين دمشق وموسكو. وبعدما تَراجع دور واشنطن وباريس، خلال السنوات السابقة، في الملفّ السوري، تُحاول العاصمتان استعادة مكانتهما فيه، بهدف معاكسة الجهود الروسية - الإيرانية للدفْع بمسار التسوية. ويحتفظ الفرنسيون بقوّات مشتركة لهم مع الأميركيين في كلّ من حقلَي العمر وكونيكو، من دون ورود أنباء عن أيّ زيادة في عديدهم منذ عام 2019، الذي شهد انسحاباً فرنسياً من قاعدة قرب بلدة تل تمر في ريف الحسكة الغربي.وفي وقت ركّزت فيه لقاءات الوفد الفرنسي على المخيّمات لبحْث إمكانية إعادة المزيد من الرعايا الفرنسيين إلى بلادهم، مع زيارة بعض المنشآت المدنية والتعهّد ببرامج دعم لمؤسّسات ومنظّمات تابعة لـ«الإدارة الذاتية»، انصبّ الجهد الأميركي على ملفَّي السجون والمخيمات بوصْفهما ورقة أساسية في أيّ تسوية قادمة. وظَهر هذا الاهتمام من خلال تعزيز واشنطن أخيراً دعمها العسكري والمادّي لـ«قسد»، بهدف تمكين الأخيرة من ضبْط الأمن في مخيّم الهول، وإنجاح عملية «الأمن والسلام» التي نفّذتها منذ أكثر من شهرَين، فضلاً عن مساعدتها في إعادة هيكلة السجون وتحصينها، من خلال الإشراف على نقل سجناء من سجن الثانوية الصناعية إلى سجن الحسكة المركزي في غويران. وفي السياق نفسه، جاءت زيارة وفدَين أميركيَّين إلى مناطق سيطرة «قسد»، ولقائهما قائدها العام، مظلوم عبدي، ومسؤولي «الإدارة الذاتية». ورأس الوفدَ الأوّل الممثّلُ الأعلى للخارجية الأميركية في شمال شرق سوريا، نيكولاس جرنجر، الذي أكد أن بلاده بصدد مضاعفة دعمها للمنطقة لضمان الأمن في المخيّمات والمعتقلات التي تضمّ عناصر «داعش» وعوائلهم. أمّا الوفد الثاني، فترأّسه نيكولاس مكاري، منسّق «مكتب مكافحة الإرهاب» في الخارجية الأميركية، وضمّ سبعة مسؤولين آخرين من الخارجية والدفاع. ووفق وسائل إعلام كردية مدعومة من «التحالف الدولي»، فإن مكاري ونائبه إيان موس، وسكوت تورنر مساعد وزير الخارجية لشؤون الهجرة، إضافة إلى 4 مسؤولين من وزارة الدفاع، زاروا المنطقة للمرّة الأولى منذ دخول الولايات المتحدة إلى سوريا.
ينصبّ الجهد الأميركي على ملفَّي السجون والمخيمات بوصْفهما ورقة أساسية


وتفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «الوفد الأول جاء بزيارة روتينة، فيما الثاني قَدِم لبحث واقع السجون والمخيّمات»، موضحةً أن هذا الأخير «زار مخيّمَي الهول وروج اللذيَن يضمّان عوائل تنظيم داعش، بالإضافة إلى السجون التي تحوي معتقلين من عناصر التنظيم في كلّ من الحسكة والرقة». وتَلفت المصادر إلى أن «الوفد حطّ كذلك في كلّ من عين العرب ومنبج، بهدف تقديم معنوي لقسد في تلك المناطق التي تنتشر فيها القوات الروسية»، مستبعِدةً في الوقت نفسه «أيّ عودة للأميركيين إلى قواعدهم التي انسحبوا منها في عام 2019، بعد إطلاق تركيا عملية نبع السلام». وجاءت هذه الزيارة بعد أيام قليلة من إعلان مستشار الأمن العراقي، قاسم الأعرجي، عن «اتّفاق دولي على تفكيك مخيم الهول»، كاشفاً أن «عملية إعادة العراقيين من المخيم إلى بلادهم ستستغرق خمس سنوات، مع وجود رغبة عراقية في تسريع العملية، من أجل إنهاء المعاناة هناك». إلّا أن معاودة واشنطن نشاطها في شمال شرق سوريا، وتركيزها خصوصاً على ملفّ المعتقلات، تشي بنيّتها إبقاء هذا الملفّ بيدها كذريعة لاستمرار وجود قوّاتها، وعرقلة أيّ محاولة لتفكيك السجون، بخلاف التصريحات التي تُطلقها واشنطن بين الفترة والأخرى، بخصوص دعوة الدول إلى إعادة رعاياها.
ويتّسق مع ما تَقدّم تأكيدُ المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، في تصريحات إعلامية، «عدم وجود نوايا للانسحاب من سوريا»، وتنبيهه إلى أن «أيّ عملية انسحاب ستعيق القتال ضدّ داعش». وأقرّ جيفري بأن «استراتيجية الولايات المتحدة حالياً تعمل على تجميد الصراع الدائر في البلاد، حتى البدء بحلّ سياسي ينهي الحرب»، معتبراً أن «الوجود الأميركي التركي على الأرض، والغارات الإسرائيلية المتكرّرة، منعا الأسد وإيران وروسيا من تحقيق انتصار استراتيجي»، مضيفاً أن «الإدارة الأميركية الحالية تركّز على منْع انتصار أيّ طرف على آخر بعد فشلها في تحقيق سياسة خطوة بخطوة وفق القرار الأممي 2254».