تشهد محافظة حضرموت حراكاً سياسياً وعسكرياً متسارعاً، يبدو مندرجاً في سياق عدد من المشاريع التي بات المجتمع الحضرمي منقسِماً حولها، بين مَن يطالِب بانفصال حضرموت كإقليم، ومَن يسعى إلى ضمّها إلى سلطة «المجلس الانتقالي» ومركزها عدن، ومَن يدعو إلى بقائها محافَظة في إطار التركيبة الحالية للبلاد. لكن كلّ تلك المشاريع ليست بعيدة عن التَوجّهات الإقليمية والدولية غير المعلَنة، والتي بدأت تنشط في هذه المحافظة خلال الأشهر الماضية بشكل متسارع، وتحديداً بعد سيطرة الإمارات على محافظة شبوة المحاذية، ومحاولتها التمدُّد شرقاً صوب وادي حضرموت، قبل أن تتدخّل السعودية على وجه السرعة لإيقاف القوّات المدعومة من أبو ظبي في منطقة الخشعة، حيث نفوذ المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب «الإصلاح».هذه التطوّرات، العسكرية تحديداً، هي التي دفعت إلى سباق إقليمي ودولي صوب حضرموت. وهو سباقٌ تتفاعل معه المكوّنات الحضرمية، لتبدو المحافظة وكأنها متنازَعة بين ثلاثة مشاريع مدفوعة من الخارج. ففي وقت تسعى فيه الإمارات إلى ضمّ حضرموت إلى بقيّة المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وتمكين «المجلس الانتقالي» من إدارتها، تسعى السعودية إلى فرْض خصوصية ما في حضرموت والمهرة؛ إذ تَرفض ضمّهما إلى بقيّة محافظات الجنوب، وتتشاور بشكل دائم مع شخصيات قبَلية وسياسية وبيوت مال، من أجل الدفع نحو هذا الخيار. أمّا «الإصلاح»، الذي وجد نفسه هدفاً لذلك الصراع المتعدّد الأبعاد، فقد أعلن رفضه الخطّتَين السعودية والإماراتية على السواء، مشدّداً على بقاء حضرموت محافَظة في إطار الدولة المركزية، أو الذهاب إلى إعلانها «دولة مستقلّة».
التطورات العسكرية في حضرموت دفعت إلى سباق إقليمي ودولي صوب المحافظة


وعلى الرغم من أن أيّاً من تلك المشاريع لم يَجِد سبيله إلى التنفيذ بعد، إلّا أن كلّ طرف يسعى إلى الدفْع بمختلف الوسائل لتحقيق أهدافه الخاصة. فالإمارات تلوّح بين الحين والآخر بالحسم العسكري في مواجهة قوّات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، غير أن هذا السيناريو يصطدم أوّلاً برفض سعودي قاطع، وثانياً بصعوبة تحقيق انتصار خاطف، على غِرار ما فعلتْه في شبوة، خصوصاً وأن «المنطقة الأولى» تمتلك قوّة مشكَّلة من عدد من الألوية لديها مضادّات للطيران، وراجمات صواريخ «كاتيوشا»، وطيران مروحي، وعتاد ثقيل متنوع. ليس هذا فحسب، بل إن «الإصلاح» تمكّن من اختراق المجتمع القبَلي في حضرموت، وباتت لديه حاضنة شعبية هناك، ذاتُ مصلحة في بقاء «المنطقة الأولى»، خوفاً من الفراغ الأمني، وتشكُّل جماعات مسلّحة متعدّدة الولاءات والأهداف، كتلك التي تنشئها الإمارات في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. في المقابل، تَقدّمت الرياض بمبادرة تقترح نقل «العسكرية الأولى» إلى مأرب، لكن قيادة المنطقة أبلغت اللجنة السعودية رفضها المقترح المذكور بوصْفه الخطوة الأولى لتدميرها، فجاء الردّ السعودي بتحويل مخصّصاتها إلى مأرب بدلاً من وادي حضرموت، في تَوجّه لفصل تلك القوّات مالياً وإدارياً.
وفي خضمّ هذا الصراع المحتدم، تبدو حضرموت في صُلب اهتمام القوّات الأميركية التي عزّزت حضورها هناك خلال الأشهر الماضية، وصارت تُمارس أنشطة أمنية واستخباراتية بشكل معلَن في مديريات المحافظة. وإذ ترتبط هذه الأنشطة باهتمام واشنطن بالمياه الإقليمية في البحر العربي، فهي تتّصل أيضاً بالرغبة في السيطرة على أهمّ محافظة يمنية من حيث المساحة والموقع والثروة والموانئ والمنافذ، وهذا ما يفسّر حجم القوات البرّية الأميركية المتمركزة فيها.