تَكشف خطوات رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلَّف، بنيامين نتنياهو، الأخيرة، رغبته في الإسراع في إنجاز تشكيلة حكومته، وعرْضها على «الكنيست» الأسبوع المقبل. ولكن الطريق إلى ولادة هذه الحكومة لا يبدو معبَّداً تماماً؛ إذ لا يزال الخلاف قائماً بين نتنياهو وزعيم حزب «الصهيونية الدينية»، يسرائيل سموتريتش، الذي يصرّ على تولّي حقيبة الأمن، إحدى أكثر الحقائب الوزارية أهمّية، والتي ستقع على مَن سيشغلها المسؤولية المباشرة عن الضفة، كما سيكون صاحبها على صِلة مباشرة بقضايا أمنية على درجة عالية من الحساسية، مرتبطة بأجهزة المخابرات وبالعلاقات العسكرية والاستخباراتية مع دول العالم، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، التي تتحفّظ - إلى الآن - على تولّي سموتريتش هذا المنصب. وانطلاقاً من ذلك، يحاول نتنياهو إقناع زعيم «الصهيونية الدينية»، المدعوم من كبار حاخامات المستوطنين، بالاكتفاء بحقيبة المالية. غير أن هذه الأخيرة يتمسّك بها زعيم حزب «شاس»، آريه درعي، الذي لا يرغب في أن يعود إلى وزارة الداخلية حتى مع صلاحيات أوسع.كذلك، يسعى نتنياهو إلى التفريق بين شريكَي «الصهيونية الدينية»، مُحاولاً إقناع بن غفير بأن ينشقّ مع حزبه «القوة اليهودية» عن هذه الكتلة، إلى حين عرْض الحكومة على التصويت الأوّل، فيما يبقى سموتريتش خارج الائتلاف ريثما تتمّ تسوية الوضع معه قبل التصويت الثاني، إنْ لم يكن استبعاده نهائياً. أمّا ثمن الانشقاق، إذا ما وافق بن غفير على العرض، فسيكون الموافقة على تسوية قانونية للبؤر الاستيطانية كافة في الضفة، وتعميق الاستيطان في شمال الأخيرة، وتوسيع الشوارع والطرق الرابطة بين المستوطنات، خلال ستّين يوماً من تولّي حكومة الأقلّية السلطة. إضافة إلى ذلك، يَعِد نتنياهو، بن غفير، بتغيير قانون «خطّة الانفصال» الذي نصّ على إخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة، وبالتالي السماح بتثبيت البؤرة الاستيطانية التي أعيد بناؤها على أنقاض مستوطنة «حوميش» بين مدينتَي جنين ونابلس، وشقّ وتوسيع شوارع خاصة بالمستوطنين.
وسبقت هذه الدراما السياسية ضغوط أميركية مكثّفة على زعيم «الليكود»، من ضمنها تحذيرات من أن البيت الأبيض لن يعمل مع الوزارات التي يتولّاها سموتريتش وبن غفير. وإذ يبدو أن إصرار الأخير على تولّي حقيبة الأمن الداخلي قد خَفَت قليلاً - أقلّه في التقارير الإعلامية التي لم تَعُد تتحدّث عن الموضوع -، فإن الاجتماع الذي عُقد أمس بين درعي ونتنياهو لم يُفضِ إلى أيّ نتيجة، حيث لا يزال الأوّل متمسّكاً بحقيبة المالية، رافضاً تجييرها لمصلحة سموتريتش. وفي المقابل، جزم بن غفير، أمام الرئيس المكلَّف، أن حزبه لن ينضمّ إلى الحكومة من دون «الصهيونية الدينية»، فيما نقل موقع «واللا» العبري، أمس، عن مصدر في حزب سموتريتش قوله إنه «إذا أبقى نتنياهو الصهيونية الدينية خارج الحكومة، فَلْيُشكّل إذاً حكومة مع القائمة الموحدة»، أي قائمة «الحركة الإسلامية الجنوبية» في «الكنيست»، التي يترأسها منصور عباس، والتي لن تمانع الانضمام إلى الائتلاف بطبيعة الحال.
يسعى نتنياهو إلى التفريق بين شريكَي «الصهيونية الدينية»، مُحاولاً إقناع بن غفير بأن ينشقّ عن هذه الكتلة


إزاء ذلك، حدّد نتنياهو، ضمن مساعيه لتكثيف الضغط على سموتريتش وحمْله على التنازل عن وزارة الأمن، يوم الأربعاء المقبل موعداً نهائياً لتنصيب الحكومة، مُراهِناً من خلال تلك الخطوة على أن زعيم «الصهيونية الدينية» لن يصوّت ضدّ تشكيل الحكومة على أيّ حال. وفي حين نفت مصادر في «الليكود» صحّة ما تَقدّم، مؤكدة «(أننا) سنشكّل حكومة اليمين مع سموتريتش وبقيّة الشركاء في أقرب وقت ممكن»، فإن هذه المهمّة لا تبدو ميسّرة؛ إذ طبقاً لِمَا أوضحته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإنه «لا يوجد لدى نتنياهو شركاء يمكن ضمّهم إلى الحكومة من خارج السرب الصهيوني اليميني، والحريديم (اليهود المتشددون)»، وهو ما دفع درعي وسموتريتش إلى التشدّد في مطالبهما والتوسّع فيها على نحوٍ لم يظهر حتى في حملتهما الانتخابية. ومع هذا، يعوّل زعيم المعسكر اليميني على احتمال تراجُع سموتريتش في «الدقيقة التسعين»، على الرغم من حالة السخط التي يعيشها الأخير، والتي دفعته إلى التَوجّه إلى نتنياهو متهكّماً بالقول: «كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تعيّن وزير أمن لدولة إسرائيل بدلاً منك؟».
على أن ثمّة خياراً إضافياً متبقّياً أمام نتنياهو، متمثّلاً في انتزاع «سلطة أراضي إسرائيل» من وزارة البناء والإسكان لمنحها لسموتريتش، إضافة إلى مغريات عديدة، بينها تسلُّمه وزارتَي النقل والبنى التحتية، وتمكينه من خلال «أراضي إسرائيل» من استكمال مخطّط تهويد الجليل والنقب وتعزيز الاستيطان فيهما، من طريق خفْض أسعار البيوت والأراضي لصالح اليهود. غير أن عقبة أخرى تعترض تَحقّق هذا السيناريو هو الآخر، تتمثّل في إعلان رئيس «يهودية التوراة»، يتسحاق غولدكنوفف، المتوقّع أن يتسلّم حقيبة «الإسكان والبناء»، أنه «في حال سحْب سلطة أراضي إسرائيل من الوزارة، فإننا لن نكون في التحالف».
بالنتيجة، تدرك الأطراف اليمينية كافة أوراق قوتها، لكن نتنياهو يعرف، في المقابل، كيف يطوّع شركاءه الذين يبدون شديدي الاغتباط بالعودة إلى السلطة، بعد ما مثّلته «حكومة التغيير» بالنسبة إليهم من كارثة. ولذا، فإن السؤال اليوم ليس ما إنْ كانت مهمّة نتنياهو ستنجح أم لا، بل متى سيتمّ ذلك؟