الحسكة | أفشلت «الإدارة الذاتية» الكردية عقْد المؤتمر الرابع لـ«المجلس الوطني» الكردي في صالة «زانا» في مدينة القامشلي، مُعلّلةً ذلك بعدم حصول «المجلس» على ترخيص من «الأسايش»، ما يُعدّ مخالَفة للقوانين النافذة في مناطقها. وكانت «الأسايش» منعت «الوطني» من عقْد المؤتمر نفسه في القامشلي في عام 2017، الأمر الذي دفَع المجلس، حينها، إلى تأجيل فعّاليته حتى إشعار آخر. وأعلن عضو «الهيئة الرئاسية» في «الوطني»، محمد إسماعيل، أوّل من أمس، بعد تأخُّر بنحو ساعة عن الموعد، أن «عناصر الأسايش منعوا أعضاء المجلس من الدخول إلى القاعة المقرَّرة لانعقاد المؤتمر الرابع، بذريعة عدم وجود رُخصة»، لكنّ المجلس لم يَعمد هذه المرّة إلى التأجيل، بل سرعان ما أعلن بدء أعماله في مقرّ «الحزب الديموقراطي الكردستاني» في القامشلي، لتصل «الأسايش» إلى هذا المقرّ أيضاً، وتمْنع إتمام النشاط، في ما بدا إصراراً على معاقبة «الوطني» لامتناعه عن التقدُّم بطلب رُخصة إلى «الأسايش»، مع ما في هذا الشرط الأخير من اعتراف بسلطة الأخيرة على المنطقة. ويُعدّ هذا الإفشال بمثابة نعْي رسمي للجهود الأميركية التي كان قادها المبعوث الجديد إلى شمال وشرق سوريا، نيكولاس جرنجر، الشهر الماضي، لإحياء مسار المصالحة بين الطرفَين، بعد أكثر من عام على تعطُّله نتيجة خلافات سياسية حادّة حول شكْل إدارة المنطقة من قِبَل «حزب الاتحاد الديموقراطي» (PYD)، واستفراده بالقرار السياسي والعسكري. وكان جرنجر عقد لقاءات منفردة مع كلّ من «الوطني» و«الذاتية»، وحثّهما على العودة إلى طاولة الحوار، فيما يُعتقد أن المبعوث الأميركي لعب دوراً في انتزاع ضوء أخضر للمجلس لعقْد مؤتمره الرابع، ومزاولة نشاطه السياسي، كبادرة حسن نيّة من «الاتحاد». لكنّ مبادرة «الذاتية» إلى تعطيل المؤتمر بدعوى عدم احترام «الوطني» القوانين المتّبَعة في المنطقة، تشي بوأْد المساعي الأميركية في مهدها، والاتّجاه نحو مرحلة توتّر جديدة. مرحلةٌ اختصرها إعلان «الوطني»، في بيان، عقب عرقلة فعّاليته، أن «المجلس اعتبر أن المؤتمر قد أُنجز، وأنهى أعماله، وسيَصدر بيانه الختامي في وقت لاحق». وكان من المقرَّر أن يناقش المؤتمر البرنامج والتقرير السياسي والنظام الداخلي، مع التصديق عليها بعد إدخال التعديلات المقترَحة من قِبَل المؤتمِرين، بالإضافة إلى انتخاب أعضاء «الوطني» من المستقلّين الذين يشكّلون نسبة 51% من عِداده.
يُعدّ إفشال مؤتمر «الوطني» بمثابة نعْي رسمي للجهود الأميركية لإحياء مسار المصالحة بين الطرفَين


ويَلفت رئيس «الوطني»، سعود الملا، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «تعطيل الأسايش انعقاد المؤتمر كان أمراً متوقَّعاً بالنسبة إلى المجلس، لِكونهم يَحكمون المنطقة وفق سياسة الأمر الواقع»، متّهِماً «الاتحاد» بأنه «يرفض وجود أيّ شريك سياسي له في المنطقة، وما حصل يؤكد ذلك». ويكشف الملا أن «الوطني» «تلقّى اتّصالات من الأميركيين ومكتب القائد العام لقسد مظلوم عبدي، بعدم وجود أيّ اعتراض على انعقاد المؤتمر»، مستدرِكاً بأن «هناك أموراً لا يعلمها حصلت عشيّة انعقاد المؤتمر، أدّت إلى التراجع وتعطيل انعقاده من دون إبلاغهم بذلك، وظهرت مع طلب الأسايش صبيحة الانعقاد إبراز ترخيص، وهو أمر من المستحيل أن يقوم به المجلس». ويرى أن «هذا التعطيل يُعتبر إفشالاً لأيّ جهود أميركية وغربية لإعادة مسار الحوار الكردي الكردي، من قِبَل تيّار سياسي لم يجلب للمنطقة إلّا الخراب، مقابل بعض المكاسب الضيّقة»، مضيفاً أن «الأميركيين على اطّلاع على ما حصل، وننتظر معرفة وُجهة نظرهم».
من جهته، يوضح الأكاديمي الكردي المستقلّ، فريد سعدون، في حديث إلى «الأخبار»، أن «التصريحات الإيجابية من الاتحاد الديموقراطي وقسد قبل انعقاد المؤتمر، كانت في الغالب مجاملة للأميركيين، لكن ما حصل أثبت أنه لا تعديل على سياستهما في المنطقة»، معتبراً أن «المساعي الأميركية لإعادة إحياء الحوار غير جدّية، لِكونها لا تريد الضغط على أيّ طرف من أطرافه»، مضيفاً أن «واشنطن لو أرادت الوصول إلى توافق كردي كردي، لأجبرت الطرفَين على ذلك... لكن ما تبذله من جهد في هذا المسار هو استهلاك للوقت فقط». ويشير سعدون إلى أن «واشنطن تكتفي بقسد في المنطقة، لِكونها تُعدّ شريكتها في محاربة الإرهاب، فيما لا يملك المجلس أيّ قوّة عسكرية، ولا حاجة إلى التحالف معه»، مستدركاً بأن الولايات المتحدة «ستضغط لخروج الحوار بنتائج إيجابية، عندما يَحصل توافق دولي على حلّ سياسي للأزمة في البلاد».