غزة | مثّلت الإهانة الكبيرة التي تعرّض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لدى إنزاله عن المنصّة في مدينة عسقلان المحتلّة، خلال حملته الانتخابية في عام 2019، عاملاً أساسياً في اتّخاذ قرار اغتيال القيادي في «سرايا القدس»، بهاء أبو العطا، والذي فجّر معركة «صيحة الفجر»، التي كانت لها ارتدادات واضحة على دولة الاحتلال من جهة، وعلى الجبهة الداخلية للمقاومة في قطاع غزة من جهة أخرى. على مدار سنوات، مثّل أبو العطا معضلة كبيرة لمنظومة الأمن الإسرائيلية، عبر قيادته سياسة تنقيط الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، والتي حدّد لها موعداً ثابتاً أضحى رمزاً فلسطينياً باسم «تاسعة البهاء»، هو التاسعة من مساء أيّ يوم يسقط فيه شهداء أو إصابات في «مسيرات العودة» أو في الضفة الغربية، وهو ما دفع قيادات أمنية إسرائيلية إلى وصْفه بـ«الشخصية الخطيرة والجريئة والقوية والمحرّك لعمليات الجهاد الإسلامي في قطاع غزة».واستدعى اغتيال قائد اللواء الشمالي في «سرايا القدس» ردّاً سريعاً من قِبل الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» باسم «صيحة الفجر». إذ بعد أقلّ من ساعة على تنفيذ عملية الاغتيال، توالت عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات «الغلاف»، إضافة إلى مناطق العمق في دولة الاحتلال، وخاصّة غوش دان وتل أبيب، حيث سقطت عشرات الصواريخ. إلا أن ذلك التطوّر فجّر في المقابل خلافات داخلية بين حركتَي «حماس» و«الجهاد»، سرعان ما تمّ احتواؤها والاتفاق على تطوير العمل المشترك وتعزيز الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر «حمساوية»، فقد حاول الاحتلال استثمار الخلافات بين الحركتَين، على خلفية تبايُن الرؤية حول طبيعة الردّ على جريمة اغتيال أبو العطا، حيث باشرت «الجهاد» الردّ بإطلاق صواريخ، بينما آثرت «حماس» الانتظار إلى حين دفْن الشهداء، ومن ثمّ توجيه ضربة صاروخية كبيرة ضدّ المدن المحتلة والمستوطنات، كما حدث قبلها بعام، عندما ردّ الجناح العسكري لـ«حماس» على دخول وحدة خاصّة إسرائيلية إلى قطاع غزة، بقصْفه مدينة عسقلان ومستوطنات «الغلاف»، في إطار ما عُرف بعملية «حدّ السيف». مع ذلك، وعلى عكْس ما توقّعه الاحتلال بأن يستتبع اغتيال أبو العطا خلافات عميقة، تبدأ على مواقع التواصل وتنتهي بالمستوى القيادي، رفعت الحركتان من مستوى تنسيقهما ليتجسّد بأقوى صوره خلال معركة «سيف القدس»، في العام التالي للاغتيال.
حاول الاحتلال استثمار الخلافات بين «حماس» و«الجهاد» على خلفيّة تباين الرؤية حول طبيعة الردّ


إلى ذلك، حصلت «الأخبار» على معلومات أمنية، تتطابق وتتكامل مع رواية وزارة الداخلية في قطاع غزة في 29‏/12‏/2019، حول اعترافات ضباط في جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة الفلسطينية بمتابعتهم الشهيد بتوجيهات من العميد شعبان الغرباوي، مسؤول المحافظات الجنوبية في الجهاز. وكشفت المصادر الأمنية أن الاحتلال حاول، على مدار أشهر، الوصول إلى الشهيد أبو العطا، وكان يراقب منازل عائلته وأقاربه في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. وليلة الاغتيال، عندما زار أبو العطا استثنائياً منزله، وعلى رغم احتياطاته الأمنية العالية وعدم حمْله أجهزة خلوية أو أجهزة اتصالات، إلّا أنه تمّ رصده من قِبَل عملاء للعدو أثناء وصوله متخفّياً، وأبلغوا ضباط المخابرات بدخوله بيته. وبعد وقت قصير، اخترق الاحتلال هاتف زوجته، وتأكّد عبر التجسّس الصوتي من وجوده في غرفته، ليطلق صاروخاً موجّهاً من طائرة حربية إسرائيلية عليها، ما أدّى إلى استشهاده على الفور.
وتبعاً لوسائل إعلام عبرية، فإن قرار اغتيال أبو العطا اتُّخذ في هيئة الأركان في الثاني من تشرين الثاني 2019، أي قبل عشرة أيام من اغتياله، عندما غادر رئيس شعبة العمليات، اللواء آهرون حالويا، الغرفة، وبجيبه تعليمات قائد الأركان، أفيف كوخافي، التي نصّت على البدء بخطوات متدحرجة لتنفيذ التصفية. وعلى إثر ذلك، قرّر رئيس «الشاباك» التنفيذ في الثاني عشر من تشرين الثاني، ليتمّ استهداف أبو العطا عبر طائرة «إيتان»، أطلقت صاروخاً من نوع «نمرود»، موجّهاً بالليزر ويمكن تشغيله ليلاً ونهاراً، مُصيباً الحائط الذي ارتكز عليه سرير الشهيد. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ ممّا سرّع الاغتيال، المعلومات التي نقلها جهاز المخابرات العامة التابعة للسلطة في رام الله، حول تجهيز الشهيد عملية نوعية تستهدف جيباً عسكرياً شرق مدينة غزة بصاروخ موجّه «كورنيت»، رداً على استهداف العدو المواطنين الآمنين خلال «مسيرات العودة».
وعلى مدار أعوام، كانت دولة الاحتلال تصف أبو العطا بأنه «صانع المشكلات الذي لا يخضع لأحد»، وبأنه «كثير الحركة ولا يمكن توقّع ما يريد»، وهو على اتصال مباشر مع الأمين العام لـ«الجهاد»، زياد النخالة، والقائد العسكري للحركة، أكرم العجوري، الذي نجا من محاولة اغتيال متزامنة، بعدما قصف العدو بيته في العاصمة السورية دمشق.