ليس عبثاً تزامُن استضافة النظام في البحرين بابا الفاتيكان فرنسيس، مع الانتخابات النيابية والبلدية في البلاد، والمزمع إجراؤها اليوم. يطمح النظام إلى أن يصدّر نفسه بوصْفه نموذجاً متقدّماً تأخذ فيه المشاركة الشعبية حيّزاً كبيراً، وهو أمر تَطرب له آذان دول الاتحاد الأوروبي والبريطانيين على السواء. هذه الوصْفة الشكلية ليست بمنأى عن الاستشارات التي تقدّمها المخابرات البريطانية التي ما زالت تتحكّم بالحياة السياسية في المملكة، ومفادها أن البحرين، الدولة الصغيرة في الخليج، تمتلك مساحة من الديموقراطية وحوار الأديان في منطقة ما زالت تعادي صناديق الاقتراع، باستثناء الكويت.لكن الحبر الأعظم كان منتبهاً إلى تلك المخاتلة؛ إذ اختار في خطابه أن يقرأ من كتاب الملك نفسه، وأعني هنا دستور البحرين الذي انقلب عليه حمد بن عيسى آل خليفة عام 2002، بتشديده على حُرمة التمييز بين المواطنين وكفالة الحريات الدينية، وعلى ضرورة تطبيق المادّتَين 18 و22 من الدستور، ودعوته إلى حماية حق الحياة، خصوصاً وأن التعاليم الكاثوليكية تعارض عقوبة الإعدام تماماً. هذه الرسالة نزلت ثقيلة على الملك في الحفل الذي أقيمَ للبابا في قصر الصافرية، إلى حدّ أنه ما إنْ انتهى الحفل بساعات، حتى صَدر عن حمد في منتصف الليل بيان يؤكد احترام الحرّيات الدينية ومبدأ العدالة الاجتماعية، في ما بدا ردّاً على كلام البابا. 
بالتأكيد، حين حضَر البابا إلى البحرين، عُرضت عليه المكاتبات من قِبَل الجهات السياسية البحرينية، وعلى الخصوص «جمعية الوفاق» المُعارِضة، وأمينها العام الشيخ علي سلمان المحكوم بالمؤبَّد، إضافة إلى المرجعيات والمراكز الدينية للطائفة الشيعية، وبيانات المجتمع الحقوقي العربي والمحلّي بشأن الأوضاع الحقوقية والسياسية في هذا البلد، وما يعانيه المواطنون الشيعة من انتهاكات تطال حقوقهم الدينية والثقافية. لا بدّ هنا أن نشير أيضاً إلى أن إمام الأزهر، أحمد الطيب، الذي دُعِي مع البابا إلى حضور «منتدى البحرين للحوار»، طَرح دعوة للحوار بين الشيعة والسُنّة، مؤكّداً استعداد الأزهر لتبنّي ذلك المشروع. هذه الدعوة الأزهرية تحمل في طيّاتها إشارة إلى ملك البحرين، الذي ما زال يقود صراعاً مع مُواطنيه الشيعة، ويعتقل علماءهم ويهجّرهم وينتهك مؤسّساتهم ودُور عباداتهم. إنها رسالة لا تقلّ أهمّية عن كلام البابا فرنسيس، وكأنه يقول لِحَمد: «اللقاء بدل المواجهة» أكثر نفعاً وأقلّ ضرراً، والتفاهم مع مُواطنيكَ من الشيعة ليس عدماً. إن الذي لم يكن يتمنّاه الملك أنْ يسمع «التقريع» المبطّن في قصره، وهو الذي أراد أن يكتسب من هذا الحضور الرسولي، الشرعية لإجراءاته وسلوكه، وإخفاء صورة القمع السائد.
بالعودة إلى الانتخابات، وهي استحقاق كان يُفترض أن يشكّل منطلقاً للتصحيح السياسي فيما الملك أرادها بطريقته، فقد جاءت «عرجاء تزيد الطين بلّة»، حيث بلغ عدد المعزولين سياسياً قُرابة 100 ألف مواطن ترشُّحاً وانتخاباً، وكلّهم ينتمون إلى الجمعيات المعارِضة التي حلّتها الحكومة، وهو رقم لا يستهان به ضمن عدد سكّان البحرين، والبالغ بحسب إحصاء 2021، 1.748 مليون، نصفهم من الأجانب. والمنع هنا مُخالف للصكوك والشرعة الأممية، عوضاً عن دستور البلاد الذي يضمن حقوق المواطنين في المشاركة في إدارة الدولة عبر مُمثّليهم في المجالس المنتخَبة. الانتخابات في البحرين تأتي مُفصَّلة على مقاسات النظام وعلى هواه، ووفق حسابات سياسية، متجاوِزةً بذلك إرادة المواطنين، ومجلِّيةً التمييز بينهم.
يَسمح النظام للعسكريين من «قوة دفاع البحرين»، ومنتسبي وزارة الداخلية والحرس الوطني، بالتصويت، وهو ما يُسهّل توجيههم لصالح فئات مقرَّبة منه. وبحسب التقديرات، يصل عدد العسكريين إلى 59 ألفاً في الكتلة الانتخابية، فيما المعايير الدولية تُحيّد العسكريين ولا تُجيز لهم المشاركة في التصويت. واشتكى، منذ يومين، مترشّحون في المحرق ومدينة حمد، من قيام جهات نافذة في الدولة بتوجيه قطاعات العسكريين للتصويت لمرشّحين محدَّدين في بعض الدوائر، بما يكشف قدرة النظام على رسم صورة البرلمان. تستفيد السلطات، أيضاً، من أعداد المجنسين الذين تمّ تجنيسهم لغايات سياسية، سواءً كانوا في البحرين أو في خارجها، والذين يبلغون عشرات الآلاف، وهذه الكتلة يتمّ توظيفها بسهولة. كذلك، أوجد النظام «لُعبة المراكز العامّة»، وهي مختلفة عن المراكز الرئيسة، وعددها 10 موزَّعة في مناطق متعدّدة في البلاد، وسبق له أن استفاد من الأصوات المُوجَّهة أو المجهولة التي جاءت منها في إسقاط مترشّحين محسوبين على المعارضة، كما في منطقة المحرق في انتخابات عامَي 2006 و2010. واستبق الملك الانتخابات، قبل شهر، بإصدار مرسوم بتعديل اللائحة الداخلية للبرلمان، أطاح من خلاله ما تَبقّى من صلاحيات للأخير، ومَنحها لرئيس المجلس على حساب النواب، وبذلك يكون البرلمان أشبه بمجلس الشورى الذي يعيّن الملك أعضاءه الأربعين، وهُم لا يعصون رغباته وأوامره. أمّا على المقلب الآخر، فتَكشف برامج المترشّحين في الانتخابات الحالية، التركيز على تقديم الخدمات وغياب مساءلة الحكومة وسرقة المال العام وإيغال النظام في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
على أيّ حال، الانتخابات في البحرين هي إفراز حقيقي للأزمة السياسية التي تهيمن على البلاد منذ عام 2011، بما يجعل البرلمان سبباً من أسباب استمرارها وليس حلّاً لها، بخلاف ما هو في الكويت القريبة حيث تُعدّ الانتخابات تصحيحاً للمشهد السياسي، بخاصة الأخيرة التي وصل فيها المعارض أحمد السعدون من جديد إلى رئاسة مجلس الأمة. هكذا، يجد كثير من البحرينيين أن لا قيمة للانتخابات، وهو ما أكدته كبرى المرجعيات الدينية في البحرين، آية الله الشيخ عيسى قاسم، المُهجَّر قسراً خارج البلاد، بتشديده على أهمية المقاطعة، واعتبار التصويت مشاركة في إذلال «شعبٍ واعٍ ومتحضّر ولا يُقاد قود الأبقار»، وهي رسالة أخرى ثقيلة المعنى والمُراد.

* عضو «جمعية الوفاق» البحرينية المعارِضة