طرابلس | يبدو، في أعقاب سلسلة اللقاءات والنقاشات الموسّعة التي قادها المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، أن رحلة البحث عن مسارات جديدة للحلّ دخلت مرحلة حاسمة. وعلى رغم أن الملفّ الليبي لم يَعُد أولوية لدى أطراف عديدة، يُجري رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، جولات مكّوكية لتحقيق توافق إقليمي حول بعض المسائل العالقة، كان آخرها مباحثات أجراها في شرم الشيخ مع الرئيسَين المصري والإماراتي، إلى جانب وليّ العهد السعودي، من دون أن تُسفر حركته عن نتائج واضحة إلى الآن. وتتمثّل واحدة من تلك المسائل في محاولة بعض الجهات فرْض قيود على مَن يحقّ لهم الترشّح في الانتخابات، وهو ما شُرّع قانونياً الأسبوع الماضي، عبر تصويت «المجلس الأعلى للدولة» بالإجماع على منْع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشّح في الانتخابات، في ما قد يكون من شأنه حرمان اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، من خوض السباق. وفيما يدافع رئيس «الأعلى للدولة»، خالد المشري، بشراسة عن ذلك القرار، مدفوعاً برغبته في إقصاء حفتر من المشهد السياسي، يتولّى رئيس البرلمان، عقيلة صالح، المنافحة عن مصالح حليفه. ومن شأن الخلاف المتقدّم أن يقلّل التوقّعات من اللقاء المرتقب بين المشري وصالح في تركيا خلال الأيام المقبلة، والذي يأتي استكمالاً لمباحثات أجراها رئيس «الأعلى للدولة» في القاهرة في الأسبوع الحالي، وتناولت ما جرى التوصل إليه في مناقشات المغرب السابقة. وبحسب مصادر مصرية وليبية متطابقة، فإن ثمّة اعتقاداً بأن المسار الأسرع للحلّ حالياً، هو التوافق على القاعدة الدستورية التي سيتمّ بموجبها إجراء الانتخابات الرئاسية، على أن تُعقد هذه الأخيرة بالتزامن مع تلك البرلمانية، وهو ما تَدفع في اتّجاهه مصر والجزائر والمغرب، ولا تُعارضه تركيا، ويحظى بدعم أممي. لكن المشكلة الرئيسة التي تُواجه هذا المسار، هي وجود رغبة في إزاحة بعض الشخصيات بطرق متعدّدة، فيما التسوية المتداول بها للمعضلة المُشار إليها، هي إيجاد تفاهمات يقدّم فيها كلّ طرف تنازلاً واضحاً.
في غضون ذلك، لا يزال الانقسام قائماً بين رئيس الحكومة المُكلَّف من البرلمان فتحي باشاغا، ورئيس «حكومة الوحدة» عبد الحميد الدبيبة، الذي استقبل السفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، واتّفق معه على الإسراع في إجراء الانتخابات، بينما شدّد نورلاند على أهمية توفير الإمكانات التقنية للعملية الانتخابية، والتي لا تتطلّب أكثر من إرادة سياسية لا تزال غير موجودة حتى الآن. جاء هذا في وقت عزّز فيه الدبيبة نفوذ حكومته عسكرياً، عبر تعيين قائد ميليشيا الأمن المركزي، عماد الطرابلسي، وزيراً للداخلية بالتكليف، تقديراً منه لِمَا بذله الأخير خلال الفترة الماضية في «حفظ الأمن في طرابلس»، وخاصة دوره في قيادة التحرّكات العسكرية التي دفعت باشاغا إلى الانسحاب من العاصمة عند محاولته دخولها. على أن ثمّة أسباباً أخرى دفعت الدبيبة إلى تصعيد الطرابلسي، في مقدّمتها سعيه للتوسّع في سياسة الاستقطاب القبَلي، وخاصة في ما يتعلّق بمحاولة إحداث انقسام داخل القوات الموالية لباشاغا، والتي ينحدر معظم أفرادها من مدينة الزنتان، الآتي وزير الداخلية منها أيضاً.