وعليه، قرّر أمين عام الرئاسة، الطيب عبد الرحيم، فتْح القبر ليلاً، والعمل على إزاحة التراب مِن حَوله، وخلْع ستّ بلاطات عنه، وفكّ التابوت وإخراج الجثمان والصلاة عليه. في تلك الليلة، وضَع المجتمعون الجثمان على جنَبه الأيمن، ووجّهوا وَجهه تجاه القِبلة، ثمّ فكّوا رباط الكفن عن رأسه وقدمَيه، وأعادوا وضع بلاطات القبر الستّ، وطمروها بالتراب. غير أن المفاجئ، وفق شهادة الحيح، هو استدعاء ثلاث شاحنات إسمنت من معمل يسمّى «الطريفي» لسكبها على قبر الرئيس، لكنه لا يعلم مَن صاحب القرار في ذلك. من جهته، أكد صاحب المعمل أنه تلقّى اتّصالاً يَطلب منه تأمين ثلاث سيارات باطون مقوّى (B400) على وجه السرعة، وهو ما يثبته أيضاً النقيب في حرس الرئاسة، طارق عبيدية، الذي يقول في شهادته: «وصلت سيّارتا باطون تتبعان مصنع الطريفي الساعة الثانية عشرة ليلاً، وتمّ سكبها فوق الصندوق الإسمنتي (القبر)، وقيل حينها إن هذا الإجراء لمنع سرقة القبر».
وضْع 70 سم من الإسمنت فوق تابوتَين من الباطون يؤكّد أن ثمّة مَن أراد أن يطمر سرّاً
أيضاً، أحد محاضر التحقيقات التي عُقدت في 8/9/2021، نقل حديث اللواء توفيق الطيراوي إلى المجتمعين: «المعلومات التي لدينا تشير إلى أن أحد الأشخاص اتّصل بجميل الطريفي (لديه مصنع باطون)، وطَلب منه ثلاث سيارات باطون B400 (نوع من الإسمنت يُستعمل للملاجئ غالباً)، ولا أريد أن يعرف أحد بالموضوع، فكان ردّ الطريفي: هو أبو عمار سيقوم من قبره؟». يضيف الطيراوي، الذي كان قد عَقد جلسة مع أربعة مهندسين مشرفين على القبر، تمهيداً لإعادة فتحه كي يقوم وفد فرنسي بأخذ عيّنات من الجثمان لاستكمال إجراءات التحقيق، أن «كمّية الباطون التي كانت في السيّارات إمّا 21 أو 27 كوباً، ولو كان هناك احتمال 1% فقط بأن الباطون قد تسرّب من الشقوق أو قد كسر بلاطة ودخل من التراب للجثمان، فكيف سيكون الوضع حينها؟ وماذا سنقول للوفد الفرنسي؟».
وعلى رغم أن الوثائق لم تكشف السبب الأساسي لضخّ كمّية كبيرة من الباطون على ضريح الرئيس الراحل، إلّا أنه ليس من الصعب الإجابة على تساؤلٍ كهذا؛ إذ إن وضْع 70 سم من الإسمنت فوق تابوتَين من الباطون، يؤكّد وفق إفادات لجنة التحقيق، أن ثمّة مَن أراد أن يطمر سرّاً كان جسد عرفات المسموم يُخبّؤه، لكن الأصعب، هو البحث عن الطريقة التي أقنع بها صاحب الفكرة، أصحاب القرار والحراسات الأمنية الذين لازموا الضريح طوال أيام، بمقترحه. جدير بالذكر أن لجنة من المهندسين والفنّيين كانت قد أعادت فتح ضريح عرفات للمرّة الثانية في تشرين الثاني 2012، وأعادت إغلاقه بعد أخْذ عينات من رفاته لمعرفة ما إذا كان قد تمّ تسميمه بمادة البولونيوم عام 2004، وذلك استجابة لشكوى تَقدّمت بها أرملته سهى عرفات. وأفاد التقرير الفرنسي وتقرير معهد سويسري آخر بالعثور على مادة «البولونيوم» المشعّ في بعض أغراض عرفات الشخصية، ورجّحوا أن هذا السمّ هو الذي تسبّب بوفاته.