رام الله | على رغم العمليات التي نفّذها العدو أخيراً ضدّ المجموعات المقاوِمة الناشئة في الضفة، إلّا أن هذه المجموعات لا تفتأ تبعث بمؤشّرات في شأن استمرارها وحيويّتها وفاعليّتها. مؤشّرات تجلّى آخرها، خلال الساعات الماضية، حيث خاضت «كتيبة بلاطة» اشتباكاً مسلّحاً مع جنود الاحتلال والمستوطِنين على خلفيّة اقتحامهم قبر يوسف. وإذ تُثير الكتيبة المُشار إليها، إلى جانب تشكيلات أخرى من بينها «عشّ الدبابير» في جنين، قلقاً متزايداً لدى سلطات العدو، فإن عوامل اشتداد فعْل تلك التشكيلات يبدو أنها ستتكاثر، في ظلّ انفتاح شهيّة اليمين المتطرّف لتصعيد إجراءات التنكيل ضدّ الفلسطينيين، سواءً في الضفة أو المسجد الأقصى أو السجون
لم يتبدّد قلق المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من تعاظُم الفعل المقاوم في الضفة الغربية المحتلّة، على رغم ترويجها لانكماش مجموعة «عرين الأسود» في البلدة القديمة في مدينة نابلس، وتأكيدها استمرار العمليات ضدّ المجموعة، وتحديداً الخلية التي نفّذت عملية إطلاق نار قرب دير شرف، وأيضاً ضدّ «كتيبة جنين» في مخيم جنين، وعموم المقاومين في الضفة. وتتعدّد الأسباب الكامنة خلْف هذا القلق، ولعلّ أبرزها تَواصل بروز التشكيلات العسكرية في مدن الضفة ومخيّماتها كخيار وفكرة قادرة على جذب المقاتلين إليها، فضلاً عن تتابُع عمليات إطلاق النار ورشْق الحجارة والعبوات الناسفة تجاه المستوطنين وقوات الاحتلال، وصولاً إلى بقاء الإنذارات الساخنة والتحذيرات من تنفيذ هجمات فدائية سواء في الضفة أو الداخل المحتلّ. والظاهر أن هواجس المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية ستتعاظم في الفترة المقبلة، على ضوء نتائج انتخابات «الكنيست» التي أظهرت صعود اليمين المتطرّف إلى سُدّة الحُكم، وما يُرافق ذلك من تهديدات تُنذر باشتعال الأوضاع على نطاق واسع، إذا ما جرى تنفيذها.
ومن بين التشكيلات العسكرية التي برزت أخيراً في الضفة، «كتيبة بلاطة»، التي نعت أمس أحد عناصرها المقاومين، وهو مهدي الحشاش، بعد استشهاده خلال اشتباك مسلّح مع قوات الاحتلال قرب المخيّم. وينحدر معظم عناصر الكتيبة من حركة «فتح»، وتربطهم علاقات قوية مع «عرين الأسود»، وهم شاركوا معاً قبل ذلك في اشتباكات مسلّحة في البلدة القديمة في مدينة نابلس. ويَنظر العدو إلى المجموعة الوليدة بقلق، ويتحسّب لاحتمال تشكيلها حاضنة أوسع للعمل المقاوم، وجذْبها مقاومين إضافيين إلى صفوفها، بل واستحالتها - كما يذهب البعض إلى الاعتقاد - حالة شبيهة بـ«الأسود». وحبست مدينة نابلس، ليل الثلاثاء - الأربعاء، أنفاسها، نظراً إلى حالة التأهّب التي أعلنتْها التشكيلات العسكرية المختلفة، سواء «كتيبة نابلس» أو «عرين الأسود» أو «كتيبة بلاطة»، قبل أن يخوض مُقاتلوها اشتباكات مسلّحة استمرّت حتى ساعات الفجر في مناطق مختلفة شرق نابلس، حيث تصدّوا للمستوطنين ونوّاب في «الكنيست» أثناء اقتحامهم قبر يوسف بمركبات عسكرية محصَّنة. وكان قائد جيش الاحتلال في الضفة قد سمح لمجموعة من أعضاء الأحزاب اليمينية الفائزين في الانتخابات بدخول «القبر»، بدعوة من رئيس «مجلس السامرة الإقليمي»، يوسي دغان. كما سمح لهم بعقد لقاء سياسي في المكان، في خطوة تُناقض موقف كبار المسؤولين في المؤسّسة الأمنية، والذين يعتقدون أن إقامة حدث سياسي هناك قد تؤدي إلى تجدُّد التوتّر في المنطقة، بعد «إعادة الهدوء» إليها، بحسب صحيفة «هآرتس» العبرية.
من بين التشكيلات العسكرية التي برزت أخيراً في الضفة، «كتيبة بلاطة»


ولا يقتصر حديث الإعلام العبري عن «كتيبة بلاطة»، يل يمتدّ كذلك إلى مجموعة «عش الدبابير» الناشئة في مخيم جنين والتي تضمّ عناصر من حركة «فتح»، فضلاً عن «كتيبة جنين» التي لا تزال تحافظ على قوّتها وزخمها ووجودها العسكري في المخيّم، بعد اغتيال القيادي البارز فيها، فاروق سلامة، قبل أيام. ويأتي هذا في وقت تُواصل فيه مؤسّسة الاحتلال الأمنية والعسكرية فرْض حالة تأهّب في الضفة، مُبرِّرةً إيّاها بأن «الفترة الوشيكة متوتّرة، وأن الإنذارات بتنفيذ عمليات عسكرية لا تزال مرتفعة»، وسط تقديرات بأن عمليات الأشهر الأخيرة ستتكرّر، وأن «ما يحدث أكبر بكثير من تنظيمات كعرين الأسود أو غيرها». وفي هذا الإطار، أمِل وزير الحرب، بيني غانتس، «ألّا نشهد مستوى أعلى من العنف ممّا رأيناه حتى الآن، ابتداءً من القدس ووصولاً إلى الضفة وقطاع غزة ولربّما المنطقة الشمالية»، مستدركاً بأن السيناريو المذكور «غير خيالي بالنظر إلى الواقع».
ولم تتوقّف عمليات المقاومة، سواء أكان تنفيذاً أم تخطيطاً، خلال الفترة الماضية؛ إذ كشف «الشاباك»، أوّل من أمس، عن إحباط عملية فدائية كبيرة خطّطت لتنفيذها 3 فتيات في مدينة نابلس انتقاماً لاغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي، بمعاونة ناشط بارز من «الجهاد الإسلامي» في غزة، ساعدهنّ في شراء الأسلحة، مشيراً إلى أن هؤلاء نجحْن في آب الماضي في إطلاق النار على موقع للجيش قرب «كدوميم» في قلقيلية، وانسحبْن من المكان لتنفيذ هجوم آخر، لكنهن ضللْن الطريق، وتمّ اعتقالهن عند أحد الحواجز العسكرية. وقبل ذلك البيان بأيام، أعلن «الشاباك» اعتقال شاب من بلدة كفر الديك شمال الضفة، بزعْم نيّته تنفيذ عملية إطلاق نار في إحدى المستوطنات يوم الانتخابات الإسرائيلية، بينما أفادت سلطات الاحتلال، الثلاثاء، بمقتل مستوطِن متأثّراً بإصابته في عملية طعن شرق قلقيلية، قبل أسبوعَين.
وعلى هذه الخلفية، اعتبرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن «الحديث عن أن «عرين الأسود» تقترب من نهايتها باعتقال وقتْل واستسلام عناصرها وقادتها، لا ينذر بنهاية المعركة؛ إذ يَتركّز الاهتمام الآن على منظّمتَين تعملان في جنين ونابلس، وهو ما يمثّل الصداع التالي الذي ينتظر إسرائيل»، لافتة إلى أنه «في منطقة جنين تعمل منظّمة «كتيبة جنين» التابعة للجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومقرّها في مخيم جنين، وأخيراً انضمّ إليها أيضاً مسلّحون مستقلّون لا ينتمون إلى الجهاد». وأشارت الصحيفة إلى أن «كتيبة جنين حرّكت خلال السنة ونصف السنة الأخيرة، الظهور المتجدّد للمقاومة المسلّحة في الضفة، ودعمت ظهور مجموعات في مدن أخرى منها «كتيبة نابلس»، ونظيراتها في طوباس، وطولكرم، وفي وقت لاحق منظّمة «عرين الأسود»»، مضيفة أنه «ظهرت في الآونة الأخيرة، منظّمات فرعية محلّية تعمل بالتعاون مع «كتيبة جنين»، وأُطلق عليها اسم «عش الدبابير»، والتنظيم الثاني يعمل في مخيم بلاطة للاجئين، وقد نظّم عرضاً عسكرياً شارك فيه عشرات المسلّحين في أزقّة وشوارع المخيم، وفاجأت الكثيرين كمّيات الأسلحة والمعدّات المعروضة خلاله والزيّ العسكري الذي ارتداه المشاركون فيه». ونقلت «يسرائيل هيوم» عن مصدر عسكري فلسطيني قوله: «لا أستبعد احتمال أن تحاول إسرائيل التحرّك ضدّ كتيبة جنين كما فعلت لسحْق «عرين الأسود» في نابلس. الناس يتابعون ما يحدث، ويشعرون بالتخوّف من قيام إسرائيل باستيراد ما فعلتْه في نابلس، إلى جنين».
وإلى جانب التصعيد الحاصل في الضفة، تنبئ المؤشّرات التي تلوح في الأفق على ضوء نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بتوتّر أشمل وأوسع، إذا ما أقدم قادة اليمين المتطرّف على تنفيذ تهديداتهم، وتحديداً في مسألتَين اثنتَين تُعتبران من الصواعق القادرة على تفجير الأراضي الفلسطينية: أولاهما، المسجد الأقصى، إذ يشترط زعيم حزب «القوة اليهودية»، إيتمار بن غفير، على الرئيس المكلَّف، بنيامين نتنياهو، تنظيم اقتحامات جماعية للمستوطنين على مدار الساعة ومن دون أيّ تقييد؛ وثانيتهما تشديد الإجراءات ضدّ الأسرى الفلسطينيين، وسلْبهم مكتسباتهم، ومنعهم من أيّ استقلالية داخل سجون الاحتلال. وفي كلتا الحالتَين، ترى أجهزة الأمن الإسرائيلية أن تطبيق تلك المطالب، سيكون من شأنه أن «يشعل الأوضاع ميدانياً».