القاهرة | على رغم تكثيف السلطات المصرية اشتغالها على تسوية أوضاع عدد كبير من السجناء السياسيين، سواء عبر قرارات عفو رئاسية بالنسبة إلى مَن صدرت بحقّهم أحكام نهائية، أو بتوجيه النائب العام بالإفراج عن أسماء بعينها، إلّا أن كلّ ذلك لم يفلح في حرْف الأنظار عن قضية الناشط علاء عبد الفتاح الذي لا يزال خلْف القضبان، وحاز ملفّه اهتماماً كبيراً على هامش «قمّة المناخ» في شرم الشيخ، فيما بدا لافتاً غياب الحديث عن معتقَلين آخرين من مِثل المرشّح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح، والرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة. والظاهر أن حيازة عبد الفتاح الجنسية البريطانية، إلى جانب التحرّكات التي قادتها شقيقته سناء سيف في لندن على مدار الأسابيع الماضية، دفعت إلى تبنّي قضيّته من قِبَل «منظّمة العفو الدولية»، علماً أنه يقضي عقوبة السجن لمدّة 5 سنوات، على خلفية القضية الرقم 1365 لسنة 2019، والتي وُجّهت إليه فيها اتّهامات بـ«الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشْر أخبار كاذبة تسيء إلى الأمن العام وتُلقي الرعب بين الناس»، وصدر بموجبها الحُكم عليه في 20 كانون الأوّل 2021.وتُحمّل السلطات المصرية عائلة عبد الفتاح مسؤولية تَعقّد ملفّه، جرّاء رفضها تسوية عرضها عليها النظام من خلال وسطاء، تتضمّن إدراج اسم علاء في قوائم العفو الرئاسي، أو الإفراج عنه في الربع الأول من العام المقبل بموجب «حُسن السيرة والسلوك» والذي «يُكافئ» رئيس الجمهورية أصحابه في المناسبات، مقابل التزام علاء وعائلته الصمت، وعدم مغادرته مصر لفترة غير محدَّدة. في المقابل، كثّفت سناء سيف نشاطاتها في الخارج، حيث التقت مسؤولين في حكومتَي ليز تراس وريشي سوناك البريطانيتَين، فيما تلقّت رسالة من الأخير الذي تعهّد بمناقشة الملفّ مع المسؤولين المصريين خلال حضوره «قمّة المناخ»، وهو ما جرى بالفعل، في وقت دافع فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي عن موقف بلاده بالحديث عن «انتهاكات» قام بها علاء خلال السنوات الماضية، تضمّنت «تحريضاً على القتل»، الأمر الذي يجعله «غير مؤهّل» للحصول على عفو رئاسي، مع وعْد بإعادة النظر في الأمر.
وكانت أسرة عبد الفتاح تضع رهانها على إمكانية التعامل بشكل مختلف مع ابنها، أخْذاً في الاعتبار حيازته الجنسية البريطانية التي حصل عليها خلال فترة مكوثه في السجن. وينبع هذا الرهان من خصوصية يحوزها المعتقَلون المزدوَجو الجنسية، حيث يَجري استغلال بند قانوني يخوّل رئيس الجمهورية السماح باستكمال المتَّهمين الأجانب عقوبتهم في بلادهم مع عدم السماح لهم بدخول مصر مرّة أخرى، من أجل دفْعهم إلى التنازل عن الجنسية المصرية مقابل احتفاظهم بتلك الأجنبية، ومغادرتهم الأراضي المصرية، مثلما جرى في قضية آية حجازي والمتّهمين بتلقّي التمويل الأجنبي. لكنّ انغلاق أبواب التفاوض بين النظام وعائلة علاء المعروفة بمُعارضتها الحكم العسكري، حال دون تَحقّق تسوية من ذلك النوع، ودفَع بالتالي السلطات إلى إطلاق حملة دفاعية متعدّدة الأبعاد للتعامل مع الموقف، خاصة في ظلّ تصاعُد الاهتمام الدولي بالقضية.
تقول «لجنة العفو الرئاسي» إن فكرة الإفراج عن عبد الفتاح «لم تَعُد مطروحة»


ووصلت سناء سيف، قبل يومَين، إلى شرم الشيخ من لندن، وعقدت مؤتمراً صحافياً في المطار، وآخر في «المنطقة الزرقاء» التي تخضع لسيطرة الأمم المتحدة، برفقة ممثّلي «منظّمة العفو الدولية». كما شاركت في فعّاليات عدّة للحديث عن شقيقها، لكن الحدث الأكبر تمثّل في الصدام بينها وبين ممثّلي النظام الذين تواجدوا في أماكن الفعاليات، مدفوعين بتعليمات أمنية. ومن بين هؤلاء النائب عمرو درويش، عضو «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، والذي رفع صوته في وجه سناء، قبل أن يضطرّ الأمن لإجباره على الخروج؛ والناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان التي ادّعت أن لديها شهادات وشكاوى من سيّدات يتّهمن علاء بممارسات «غير أخلاقية». وفيما حذّرت شقيقة عبد الفتاح من احتمال موته بفعل دخوله إضراباً عن تناول المياه بعد أكثر من 270 يوماً أضرب فيها عن الطعام، دافع وزير الخارجية سامح شكري، في حديث إلى وسائل الإعلام الأميركية، بـ«تمتُّع علاء بمحاكمة عادلة وتمثيل قانوني»، مشدّداً على «احترام استقلالية القضاء والالتزام بالفصل بين السلطات». على أن شكري فَتح الباب أمام إمكانية الإفراج عن الناشط المصري، من خلال الحديث عن مراجعة الأوضاع الصحّية للسجناء، والإشارة إلى أن عبد الفتاح لم يقدّم طلباً إلى السلطات للاعتراف بجنسيته البريطانية المكتسَبة، ما يترك الباب موارِباً أمام إمكانية تسوية القضية بالاستناد إلى هذه الحيثية.
وعلى رغم أن القرار النهائي يبْقى في يد السيسي، إلّا أن المشكلة الآن هي أن الدائرة المقرَّبة من الرئيس ترفض إخراج علاء تحت الضغوط الحالية، وهذا ما أدّى إلى ظهور حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تبنّاها عدد من النشطاء المحسوبين على المخابرات، بهدف تصوير عبد الفتاح بوصْفه «مُحرّضاً على القتل»، من خلال إخراج تدوينات قديمة له تعود إلى «ثورة يناير» وما بعدها، يدعو فيها إلى «استهداف رجال الجيش والشرطة». وفي الاتّجاه نفسه، نُقل عن مسؤولين في «لجنة العفو الرئاسي» قولهم إن تحرّكات سناء سيف الأخيرة في لندن وشرم الشيخ «عقّدت الموقف وأغلقت الباب أمام أيّ تسهيلات، ومنها حتى إمكانية زيارته والحديث معه»، فيما بدأ مؤيّدون للنظام الترويج لكوْن وفاته المحتمَلة داخل السجن «ستمرّ من دون مشاكل»، باعتبار أن «الرعاية الطبّية متوفّرة له بشكل استثنائي»، علماً أنه بحسب تقارير غير رسمية، أَجبرت سلطات السجن علاء على تلقّي محاليل لضمان سلامته.