الجزائر | القاهرة | انتهت قمّة «لمّ الشمل» العربي في الجزائر باستصدار بيان «إعلان الجزائر» الذي تصدّرته - على جَري العادة - القضيّة الفلسطينية؛ فدعا إلى «مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي ونظامه الاستعماري»، وقبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والدول التي لم تعترف بعد بفلسطين، إلى الاعتراف بها. وتبنّى البيان، إضافة إلى ما سبق، دعْم حقّ فلسطين في الانضمام إلى المنظّمات والمواثيق الدولية، في موازاة إدانته الجرائم الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني، فيما أكد المجتمعون، من جديد، «التمسّك بمبادرة السلام العربية لعام 2002»، و«مركزية القضيّة الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني»، مشدّدين على «ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية إلى حماية مدينة القدس المحتلّة ومقدّساتها»، ومطالبين «برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإدانة استخدام القوّة من قِبَل إسرائيل ضدّ الفلسطينيين». وفيما شدّد «إعلان الجزائر» أيضاً على «رفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، والتواجد اللاشرعي لأيّ قوات أجنبية في أيّ منها، والتمسّك بمبادئ احترام سيادة الدول وحسن الجوار»، أشار إلى ضرورة «المساهمة في دعم الدول العربية التي تمرّ بظروف سياسية وأمنية واقتصادية صعبة، أو تلك التي تواجه حالات استثنائية من جرّاء الكوارث الطبيعية، من خلال تعبئة الإمكانيات المتاحة وفق مختلف الصِيَغ المطروحة ثنائياً وعربياً وإقليمياً ودولياً». في ما خصّ ليبيا، دعا البيان الختامي إلى دعم جميع الجهود لإنهاء الأزمة في هذا البلد «عبر حلٍّ ليبي - ليبي يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها وأمنها وأمن جوارها». وفي هذا الإطار، برزت خلافات جوهرية ومناقشات حادّة بين المجتمعين على خلفية البيان الختامي، إذ تمسّكت الجزائر بحذف جزء من البيان مرتبط بالحديث عن «إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية»، وهو ما لاقى اعتراضاً مصريّاً واضحاً، وحياداً تونسيّاً. وكشفت مصادر، لـ«الأخبار»، أن «الجزائر لم تكن لديها رغبة في تمرير الجزء الخاص بليبيا بهذه الطريقة، بناءً على اتصالات جرت بين مسؤولين في وزارة الخارجية الجزائرية ونظرائهم في وزارة الخارجية التركية خلال الأيام التي سبقت انعقاد القمّة، في حين لم تبدِ تونس رغبة في إبداء رأي حيال بعض الفقرات الخاصة بليبيا، والتي توجّه إدانة مباشرة إلى التحرّكات التركية من دون تسميتها». واضطرّت القاهرة، في نهاية المطاف، للموافقة على تمرير البيان بالصيغة التي خرج بها، لعدّة أسباب من بينها التوتّر بينها وبين الجزائر، والذي كاد يدفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مقاطعة القمّة، فضلاً عن التفاهمات التي جرى التوصّل إليها حول بنود أخرى وافقت الجزائر على تمريرها إرضاءً لمصر.
وفي ما يتعلّق بالأزمة السورية، شدد «إعلان الجزائر» على ضرورة «قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي في جهود التوصّل إلى حلٍّ سياسي للأزمة السورية»، ومعالجة تبعاتها بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها ويحقّق طموحات شعبها. كذلك، دعا إلى التوصّل إلى حلٍّ سياسي للأزمة اليمنية، وفق المرجعيات المعتمدة، بما يضمن أمن هذا البلد واستقراره وسيادته وسلامة شعبه وأمن دول الخليج، مع تجديد «دعم الحكومة الشرعية اليمنية ومباركة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي».
في الشقّ الاقتصادي، جاءت أهمّ التوصيات بـ«مضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها»، «بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي العربي»، فضلاً عن «أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحدّيات المطروحة على الأمن الغذائي والصحي والطاقوي ومواجهة التغيرات المناخية». وفي مجال الأمن الغذائي، تحدّث المجتمعون عن «تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن الغذائي بمفهومه الشامل. ومواجهة جميع التحديات المشتركة، بما يسهم في حلّ الأزمات التي يعاني منها عدد من الدول العربية». وفي ما يخصّ الأمن المائي الذي يُعتبر جزءاً من الأمن القومي العربي، فقد تمّت الدعوة إلى التكاتف والتضامن في حماية الحقوق المائية لجميع الدول العربية وفق القانون الدولي، وبما يضمن حصولها على حقوقها المائية الكاملة، خصوصاً حقوق مصر والسودان في مياه النيل، وكذلك عدم اتخاذ أيّ خطوات أحادية لملء «سد النهضة».
الصفات التي أُسبغت على قمّة «لمّ الشمل»، كما سُوِّق لها، ومن بينها كونها «محطّة مهمّة لتعزيز التضامن العربي» مثلما وصفها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد تكون أقرب إلى فرضيات سابقة لأوانها، في ظلّ تعذّر تجاوز الخلافات بين البلدان العربية والتوجّه نحو تحقيق التعاون بما يعود بمنافع سياسية واقتصادية على الجميع. ولطالما كانت البيانات الصادرة عن القِمَم العربية تحمل شعارات عريضة، من دون أن يتجسّد أيٌّ من الخلاصات على أرض الواقع. وما حدث قبل هذه القمّة وخلالها، ما ظهر منه وما بَطن، يؤكد أن البلدان العربية لا تزال تقدّم الحسابات الضيقة، والخلافات التي لا طائل منها. كما لم يتبيّن، من خلال الاجتماعات سواء التحضيرية أو خلال يومَي القمّة، أن البلدان المشارِكة على استعداد للتخلّي عن سياساتها أو قراراتها من أجل الصالح العام، وأنها مقتنعة بأن «القمّة» يمكن أن تكون ميلاداً جديداً للتضامن العربي.