بينما كان مجلس الأمن يعقد اجتماعه الدوري حول سوريا، والمبعوثُ الأممي إلى هذا البلد، غير بيدرسون، يصف الأوضاع هناك بـ«القاتمة»، ويؤكد أن مسار الحلّ السياسي «لا يزال معقّداً»، استقبلت بلدات سورية في ريفَي حمص ودمشق مئات العائلات السورية، الآتية ضمن أولى قوافل «العودة الطوعية» للنازحين السوريين، والتي جرى استئنافها في سياق مسار سياسي تسعى كلّ من دمشق وموسكو إلى ترسيخه على الرغم من حالة الاستقطاب الدولية، والهجوم الأميركي المتواصل على ذلك المسار من أجل إفشاله. ويأتي استئناف تلك العمليات، التي عاد من خلالها إلى الآن أكثر من 400 ألف سوري منذ عام 2017 وفقاً لإحصاءات لبنانية، في أعقاب استعدادات واسعة نفّذتها دمشق، شملت مناطق عديدة افتَتحت فيها مراكز خاصة بالتسوية، أبرزها المركز الذي أنشئ أخيراً في ريف إدلب، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات أخرى تتعلّق باستقبال الراغبين في العودة، وتأمين الظروف المناسبة لهم، وفق ما أكد مسؤولون سوريون. كذلك، يأتي التطوّر المذكور بعدما نجحت موسكو في سحْب ورقة «المساعدات الإنسانية»، بشكل جزئي، من طاولة المفاوضات السياسية في الأمم المتحدة، إثر تمكّنها من تمرير قرار أممي ينظّم عمليات إدخالها، على نحو يقلّص من حجمها عبر الحدود (تركيا)، ويزيد منها عبر خطوط التماس (دمشق)، بالإضافة إلى دعم مشاريع «التعافي المبكر» التي يُنظَر إليها على أنها أحد أبرز العوامل في تأمين «البيئة المناسبة» لعودة النازحين.
وفي وقت شرّع فيه لبنان الأبواب أمام تسجيل أسماء الراغبين في العودة، وسيّر قافلة أولى يُتوقّع أن تَعقبها ثانية بعد بضعة أيام، تصاعدت، بوضوح، الحملة الإعلامية المضادّة لهذا المسار، الذي لم تُخفِ واشنطن سعيها لإفشاله، وخلْق مسارات أخرى تكون للولايات المتحدة اليد الطولى فيها. ويفسّر ذلك النشاط المتزايد للخارجية الأميركية في الملفّ السوري، سواء عبر محاولة إحكام السيطرة على نشاطات «الائتلاف الوطني» المعارض، أو عبر محاولة خلْق كيانات معارِضة جديدة من أجل تصديرها إلى المحافل الدولية، بالإضافة إلى الاشتغال على ترسيخ الأوضاع الميدانية الحالية التي تضْمن للأميركيين استمرار بقاء قوّاتهم في المناطق النفطية.
تنتظر أنقرة التوصّل إلى اتّفاقات مع دمشق تفتح الباب أمام إعادة اللاجئين السوريين


وعلى رغم هذه العراقيل، يُتوقّع أن تتبع الإجراءات اللبنانية خطوات مماثلة في الأردن، الذي يعاني بدوره من ضغوط استضافة السوريين (760 ألفاً وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، ويُعدّ البلد الثاني من حيث عدد اللاجئين على أراضيه بعد لبنان. وتحاول عمّان، منذ مدّة غير قصيرة، إطلاق مسار عودة هؤلاء، غير أن الضغوط الأميركية عليها لا تزال تحول دون ذلك، وخصوصاً أنها تترافق مع تشويش كبير بهدف تعظيم مخاوف النازحين. لكن هذا التشويش قد تتراجع فعالياته مع استمرار تدفّق السوريين من لبنان، وخصوصاً أن الأوضاع المعيشية للاجئين في الأردن سيّئة جداً، وأن المفوضية تحذّر من «تحوّل وضعهم إلى أزمة إنسانية في غضون أشهر بسبب نقص التمويل»، في ظلّ تحويل عدد كبير من الدول المانحة اهتمامها إلى الحرب في أوكرانيا.
من جهتها، تنتظر أنقرة التوصّل إلى اتّفاقات مع دمشق، تفتح الباب أمام تنظيم عمل مشترك بينهما لإعادة اللاجئين السوريين، وخصوصاً أن هذا الملفّ يُعدّ من أبرز الملفّات الساخنة في الانتخابات الرئاسية التركية المقرَّرة العام المقبل. وإذ لا تزال النقاشات بين البلدَين محصورةً بالمستوى الأمني، في ظلّ إصرار الجانب السوري على مطلب انسحاب القوات التركية من شمال البلاد، ووقْف دعم الفصائل المسلحة، تعقد موسكو آمالاً على أن ترتقي هذه النقاشات إلى المستوى السياسي، بهدف إعطاء دفْعة قوية للمسار الروسي للحلّ، والذي يتركّز في الوقت الحالي على سحْب ورقة اللاجئين والمساعدات الإنسانية من طاولة المفاوضات السياسية. وممّا يضاعف حافزية روسيا إلى ذلك، تَجمّد المسار الأممي (اللجنة الدستورية)، على رغم محاولات بيدرسون المتكرّرة إحياءه من خلال مبادرته «خطوة مقابل خطوة»، والتي تسود شكوك كثيرة في إمكانية نجاحها.