رام الله | لم تكن عملية اغتيال المقاوم تامر الكيلاني بواسطة عبوة ناسفة مُوجَّهة وُضعت على متن درّاجة نارية، في أحد أزقّة البلدة القديمة في مدينة نابلس يوم الأحد الماضي، وهي الأولى من نوعها منذ 20 عاماً، اعتباطية، بل يمكن عَدّها اليوم كشرارة البداية لعملية عسكرية واسعة قرّر قادة العدو شنّها ضدّ مجموعة «عرين الأسود»، التي تحوّلت إلى عامل إقلاق كبير للمنظومة الأمنية الإسرائيلية. والظاهر أن الاجتماع الذي عقُد أخيراً بين رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، ووزير حربه بيني غانتس، ومسؤولي «الشاباك» الذين تعهّدوا بالقضاء على المجموعة، قد شهد اتّخاذ القرار المذكور، وصادق على تنفيذه في أقصر وقت ممكن عشيّة الانتخابات العامّة في الكيان، حتى وإن لم يُعلَن ذلك مباشرة، وهو ما يدلّ عليه سياق الأحداث، بدءاً بتصفية الكيلاني، وصولاً إلى العدوان الموسّع أمس، والذي أعقب تلك العملية بـ48 ساعة فقط، وجرى تحت إشراف مباشر من رئيس «الشاباك»، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وسط مخاوف واضحة من تَعقّده، وتَحوّله نحو اتّجاهات مغايرة لما خُطّط له.وسط مدينة نابلس، وقُبيل بزوغ الشمس، كان آلاف الشبّان يحتشدون في ساحة مستشفى المدينة والشوارع القريبة منها، يلهجون بالدعاء والخوفُ قد بلغ حناجرهم، متمسّكين بالأنفاس الأخيرة للمقاوم وديع الحوح الذي كان يصارع الموت، قبل أن ينفجر الغضب والبكاء مع إعلان استشهاده. وكانت المدينة عاشت ليلة دامية أسفرت عن ارتقاء 5 شهداء، بينهم الحوح الذي يُعدّ من أبرز قادة «العرين»، و4 آخرين، وإصابة 22 بعضهم بجراح خطيرة، في معركة انطلقت مع منتصف الليل وانتهت فجراً، وكانت الأشرس والأعنف منذ اجتياح الضفة عام 2002، حيث استَخدم فيها جيش الاحتلال الصواريخ والطائرات ومئات الجنود والآليات المدرّعة. وتفيد روايات شهود عيان تحدّثت معهم «الأخبار»، ومقاطع مصوَّرة للأحداث، بأن هذه الأخيرة بدأت بعد تسلّل وحدة خاصة إسرائيلية، سرعان ما اكتشفها عناصر الأمن الفلسطيني الذين اشتبكوا معها وأصيب عددٌ منهم خلال الاشتباك. وتَزامن ذلك مع اقتحام وحدة خاصة أخرى البلدة القديمة، ليتمّ كشْفها من قِبل شابَّين يعملان في صالون حلاقة، بادرا إلى تحذير المقاومين منها، ما دفع الجنود إلى إطلاق النار عليهما، متسبِّبين باستشهادهما، فيما جرى تعزيز الوحدتَين بمزيد من العناصر لنجدتهما. أيضاً، فَرض العدو حصاراً على البلدة القديمة، واستهدف جنوده حوش العطعوط، وحارة الياسمينة، ومنطقة رأس العين، التي شهدت اشتباكات مسلّحة مع المقاومين، بينما خرج مئات الشبّان من كلّ أحياء نابلس ومخيّماتها إلى وسط المدينة الذي لا يَبعد سوى أمتار عن البلدة القديمة، وصدحت مكبّرات الصوت بالتكبيرات والدعوة إلى الجهاد. كذلك، لجأت قوات الاحتلال إلى قصف أحد المنازل الذي تَحصّن فيه عدد من قيادات «الأسود»، ومن بينهم الحوح، بعدد من صواريخ الطائرات المسيّرة وتلك المحمولة على الأكتاف، وهو المنزل الذي أعلن العدو أنه الهدف من وراء عمليته، كونه يحوي مختبَراً لصناعة العبوات الناسفة. وإلى جانب ما تَقدّم، استُهدفت إحدى المركبات في المكان، ما أدّى إلى استشهاد شاب وإصابة شقيقه بجروح.
يبدو أن قادة العدو يريدون أن يرفعوا من منسوب الدم الفلسطيني قبل الانتخابات


ونعت «العرين»، في بيان، شهداء نابلس الخمسة، وقائدها وديع الحوح، مؤكّدة أنه ارتقى في اشتباك مسلّح مع العدو داخل البلدة القديمة، متعهّدةً بالرد. وقالت المجموعة: «والله يا بني صهيون سَتهلكون، وإنْ قتلتُم أسداً في العرين فهذا الخطأ المبين، فانتظروا الحدث اللعين الذي سيشفي صدور قوم مؤمنين، وإنّنا على العهد باقون». ومع توارد الأنباء من نابلس، عاشت الضفة الغربية ليلة من الغضب والمواجهات، أسفرت عن استشهاد شاب في قرية النبي صالح قرب رام الله، بينما أطلق المقاومون في مدينة جنين النار الكثيف والعبوات الناسفة على حاجزَي الجلمة وسالم وبعض النقاط العسكرية ومستوطنة «شاكيد». أيضاً، خرجت مسيرات غاضبة في المدن والقرى، تَحوّلت سريعاً إلى اشتباكات مع قوات الاحتلال، فيما عمّ الإضراب والحداد العام الضفة وقطاع غزة على السواء. وفي القطاع، تداعت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة إلى اجتماع عاجل، بينما أعلنت سلطات العدو حالة التأهّب القصوى خوفاً من أن يأتي ردّ «العرين» خلال الانتخابات الإسرائيلية المرتقَبة، خصوصاً مع تزايد عدد الإنذارات من تنفيذ عمليات في الداخل المحتلّ. وبدا قادة العدو مُنتشِين بنتائج العدوان على نابلس، مُهدِّدين بمواصلته في الضفة، وتحديداً نابلس وجنين. وقال رئيس حكومة الاحتلال: «لن ترتدع إسرائيل أبداً عن العمل من أجل أمنها، وجزء من هذه المجموعة هم أشخاص مِن الذين حاولوا إيذاءنا، وفي اللحظة التي أضرّوا فيها بنا كان يجب عليهم أن يعرفوا أنه ستأتي اللحظة التي سينتهون فيها»، مضيفاً: «لقد تمّت تصفية أحد قادة عرين الأسود، وعلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس السيطرة على الميدان إذا أراد استقرار سلطته»، فيما توعّد غانتس بأنه «لن تكون أيّ مدينة ملجأً للإرهابيين، وسنُواصل العمل ضدّ أيّ شخص يحاول إيذاء مواطني إسرائيل حيثما ومتى لزم الأمر».
ويَلفت المختصّ بالشأن العبري، سعيد بشارات، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الوضع في الضفة يزداد سخونة واشتعالاً»، مضيفاً أن «ما حصل اليوم في نابلس هو استمرار لعملية عسكرية واسعة يقوم بها جيش الاحتلال الذي اتّخذ القرار بها يوم الخميس خلال اجتماع غانتس ولابيد والشاباك». ويشير إلى أن القرار جاء في «مرحلة حسّاسة، مع ورود إنذارات من عمليات فدائية حتى داخل الخطّ الأخضر»، متابعاً أن «المعلومات المتعلّقة بالعملية تدلّ على أنها واسعة ومتدحرجة». ويرى بشارات أن «ما يجري يؤشّر إلى ضائقة تعيشها حكومة الاحتلال مرتبطة بالانتخابات، في ظلّ عدم الرغبة في عودة نتنياهو الذي يستغلّ الوضع لمضايقة ومناكفة غانتس ولابيد»، ولذا، قرّر الأخيران «الذهاب إلى الهجوم على رغم المخاطر وإحراج السلطة». وينبّه إلى أن «على المقاومين في مدينتَي جنين ونابلس الحذر، إذ يبدو أن العدوان الإسرائيلي متدحرج، وأن هناك تصعيداً خلال الأيام المقبلة ربّما سيكون أكبر ممّا حصل في نابلس، فجيش الاحتلال يريد أن يرفع من منسوب الدم الفلسطيني قبل الانتخابات، وغانتس ولابيد مصرّان على القيام بعملية رغم كلّ شيء». ومن هنا، يَتوقّع أن «ينفّذ العدو هجوماً موسّعاً في جنين أو نابلس حتى قبل إجراء الانتخابات للقضاء على عين الأسود ومجموعات المقاومة، وتقديمها للناخب الإسرائيلي لكي يستطيع غانتس ولابيد الفوز، في ظلّ التقدّم الذي يحقّقه نتنياهو في استطلاعات الرأي».