منذ انتهاء معركة «وحدة الساحات» مطلع آب الماضي، وعلى رغم الهدوء الميداني اللافت، لم تغادر طائرات الاستطلاع الإسرائيلية سماء قطاع غزة. والحديث، هنا، لا يدور عن نشاط الرصد الاعتيادي، وإنّما عن طلعات مكثّفة، تشي بأن ثمّة ما يجري التخطيط له، ولا سيما في ضوء الاشتعال الميداني الذي تشهده مدن الضفة الغربية المحتلّة ومخيّماتها. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر في المقاومة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «السلوك الاستخباري الإسرائيلي على صعيد الرصد، اتّخذ الوتيرة نفسها التي كان عليها قبل اندلاع جولة القتال الأخيرة»، ما يعني بحسبها، أن «المقاومة في غزة لم تَخرج من مهداف العدو، حتى بعد وقف إطلاق النار». وتضيف المصادر أن «سلاح الإشارة في المقاومة يقدّم معطيات يومية مفادها أن مختلف أنواع الطائرات المسيّرة تغطّي كلّ مناطق القطاع بشكل متزامن، وتلك مؤشّرات تنبئ بأن هناك نشاطاً ميدانياً مرتقباً». من جهته، يلفت الكاتب والمحلّل السياسي، حسن لافي، إلى أن «هناك تقديرات قائمة بأن يحاول جيش الاحتلال تصدير أزمته المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلّة إلى قطاع غزة، إذ نشط الإعلام الإسرائيلي، أخيراً، في العزف على أوتار تحميل حركتَي حماس والجهاد الإسلامي المسؤولية عن دعم خلايا المقاومة العاملة في شمالي الضفة، بل وتوجيهها والإشراف على أدائها، وتلك تهمة لا تنفيها فصائل القطاع عن نفسها». ويضيف لافي، في حديثه إلى «الأخبار»: «ليس سرّاً أن المقاومة في غزة تبذل جهوداً كبيرة لتطوير العمل المقاوم في الضفة، الإسرائيلي لديه اعترافات من معتقَلين، والجهاد الإسلامي مثلاً خاضت حرباً في سبيل حماية كتائب المقاومة العاملة هناك من الاستفراد الإسرائيلي»، متابعاً أن «الاحتلال الإسرائيلي قد يجد نفسه في مرحلة معيّنة متّجهاً إلى إشعال النار في غزة، لإطفاء الحريق في الضفة التي هي خاصرته الرخوة والأشدّ التحاماً به».
وكان الصحافي الإسرائيلي، أوهاد حمو، ادّعى، أخيراً، أن «حركة حماس قدّمت دعماً لمجموعة عرين الأسود تجاوَز المليون دولار»، وأن القيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية للحركة، مصعب اشتية، المعتقَل لدى أجهزة السلطة، تولّى إيصالها إلى «العرين». والجدير ذكره، هنا، أن جهاز «الشاباك» الإسرائيلي كان قد اغتال القيادي في «القسام»، مازن فقها، عام 2017، في عملية أمنية نفّذها عدد من عملائه في القطاع، وذلك بسبب الجهود التي كان يبذلها الأسير الضفّاوي المحرَّر في صفقة «وفاء الأحرار» عام 2011، في إعادة بناء خلايا «القسام» في الضفة. كذلك، يحفظ سكّان غزة كيف ردّ جيش الاحتلال على عملية اختطاف ثلاثة مستوطِنين وقتْلهم، والتي نفّذتها «القسام» عام 2014، بحرب استمرّت 51 يوماً في غزة.
المقاومة في غزة لم تَخرج من مهداف العدو، حتى بعد وقف إطلاق النار في آب الماضي


إزاء ذلك، يرى الباحث السياسي، مجد ضرغام، أن «مسوّغات التَّوجّه إلى سيناريو كهذا حاضرة بقوّة، ولا سيما أن طبيعة جولات القتال التي تندلع في القطاع، يمكن، وفق الفهم الإسرائيلي، التحكّم بحدود تأثيرها، أي بوقت بداية المعركة، واستيعاب ردّة الفعل، ثمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار يضْمن الهدوء طويلاً، بالنظر إلى عدم وجود تداخل ميداني مع المستوطنات والمواقع الإسرائيلية». لكن هل يمكن لخطوة كهذه، توفير الهدوء في الضفة؟ يجيب ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن «الأمر متوقّف على مستوى الفهم الإسرائيلي لطبيعة الأحداث؛ إذا كان جهاز الشاباك يعتقد أن هناك شخصية تدير الحالات المقاومة في جنين موجودة في غزة مثلاً، ومن الممكن أن يحدِث اغتيالها أضراراً لوجستية كقطْع خطوط الإمداد المالي، والتوجيه العسكري، فإن الإسرائيلي سيبادر إلى ذلك»، مستدركاً بأن «الأمر ليس بهذه البساطة، خصوصاً مع الشكل الجديد الذي اتّخذه العمل المقاوم في الضفة، مِن مِثل ظهور تشكيلات مسلّحة تُدار ذاتياً، وتمتلك مصادر متعدّدة للتنظيم، كعرين الأسود مثلاً، وتَشكُّل حالة عابرة للأحزاب، وإن كانت مستفيدة من كلّ الفصائل. لذا، فإن الشكل الهرمي للعمل العسكري لم يَعُد وحده القائم، وعليه، فإن فكرة أن تضرب غزة لتَهدأ الضفة، صارت من الماضي».
وبناءً على ما تَقدّم، تُقدّر مصادر أمنية أن تنفيذ عملية أمنية تستهدف قادة المقاومة في غزة، المسؤولين عن دعم الخلايا العسكرية في الضفة، على غرار اغتيال فقها، هو سيناريو متوقَّع، ولا سيما أن مثل تلك العمليات توفّر هامشاً للمناورة، في حال تنصّلت دولة الاحتلال من مسؤوليّتها عنها.