بغداد | تسير مفاوضات تأليف الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، نحو إنجاز سهل وسريع، فيما قد تصبح التشكيلة جاهزة لطلب نيْل ثقة مجلس النواب بعد غدٍ، وفق ما يأمل أطرافها. ويعود ذلك إلى أن الصفقة التي بدأ تنفيذها بانتخاب رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، شملت أيضاً توزيع المناصب كافة بين «المكوّنات» العراقية، وحتى داخل «المكوّن» الواحد، لتبْقى تفاصيل بسيطة عالقة. ويأتي هذا في وقت يظلّ فيه طيْف «التيار الصدري» حاضراً بعد خروجه من العملية السياسية، بالنظر إلى التحسّب المستمرّ لِما يمكن أن يفعله في أيّ مرحلة من المراحل، على رغم الصمت المتعمّد الذي يواكب من خلاله تشكيل الحكومة
على رغم تنوُّع القوى السياسية العراقية التي ستشارك في حكومة محمد شياع السوداني، إلّا أن تصريحات قياديين في تلك القوى على اختلافها، تعكس وجود حالة من الهدوء والتناغم على صعيد مفاوضات تشكيل الحكومة الجارية حالياً. وهي حالة يمكن عزْوها إلى أسباب عديدة، أبرزها أن الأطراف المعنيّة لا تستطيع تظهير خلافاتها حتى وإنْ كانت موجودة، لعدم إضفاء مصداقية على اتّهام الحكومة العتيدة بأنها حكومة محاصصة، وإعطاء «التيّار الصدري» المبرّر للتحرّك ضدّها، فضلاً عن أن العراقيين ضاقوا ذرعاً بالمشاحنات السياسية بعد عام كامل من الأزمات التي كادت تدفع بالبلد نحو هاوية الاقتتال الأهلي، ولا سيّما الشيعي - الشيعي، وبالتالي صاروا أكثر حساسية إزاء الخلافات. ويساعد في تسريع تشكيل الحكومة، أيضاً، أن المناصب موزَّعة بين «المكوّنات» العراقية وفق صيغة متَّفق عليها منذ بدء تشكيل الحكومات في فترة ما بعد الاحتلال، وأن عملية التأليف تأتي بعد تفاهم كردي - كردي على هويّة رئيس الجمهورية، الأمر الذي يعني أن الأكراد متّفقون في ما بينهم على تقاسُم حصّتهم في الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السُنّة الذين اندمج معظم نوّابهم منذ البداية في «تحالف السيادة» الذي يضمّ رئيس مجلس النواب، زعيم حزب «تقدّم» محمد الحلبوسي، ورئيس كتلة «عزم»، خميس الخنجر، علماً أن انتخاب الحلبوسي نفسه رئيساً للبرلمان، جاء ثمرة لهذا الاندماج.
يبقى «المكوّن» الشيعي الذي استطاع حتى الآن الحفاظ على تماسك قِواه داخل «الإطار التنسيقي»، على رغم وجود خلافات في ما بينها. ذلك أن ظهور هذه الخلافات سيكون من شأنه إعادة تعزيز موقف «التيّار الصدري» الذي ابتعد عن العملية السياسية، وتوقَّع فشل الحكومة المقبلة المشكَّلة، بحسب اتّهاماته، على أساس المحاصصة والفساد. ولا يعني امتناع «تيار الحكمة»، برئاسة عمار الحكيم، عن المشاركة في الحكومة أو في اجتماعات «تحالف إدارة الدولة»، على رغم انتمائه إلى «التنسيقي»، خلاف ما تَقدّم، إذ إن التيّار أعلن منذ الانتخابات نيّته عدم المشاركة في أيّ حكومة. وفي هذا الإطار، يقول القيادي في «الحكمة»، حسن فدعم، لـ«الأخبار»، إن «التيّار أعلن منذ الانتخابات الأخيرة عدم مشاركته في الحكومة المقبلة، وهذا القرار ما زال موجوداً وقائماً، ولن نشترك في هذه الحكومة ولن نَحضر أيّ اجتماع لتحالف إدارة الدولة أو الإطار، ولكنّنا ندعم تشكيل الحكومة وتوفير الخدمات، وموقفنا من الرئيس المكلّف، محمد شياع السوداني، واضح بدعمه وإسناده وإنجاح مشروعه في خدمة أبناء شعبه، ونتمنّى أن تكون حكومته قادرة على القيام بأعمالها كما وعدت».
بدت مختلف القوى المشارِكة في المفاوضات متكتّمة لتجنّب مفاجآت غير سارّة في اللحظة الأخيرة


لكن، ومن أجل تجنّب مفاجآت غير سارّة ربّما في اللحظة الأخيرة، بدت مختلف القوى المشارِكة في المفاوضات الحكومية متكتّمة على حصيلة تلك المفاوضات، وخاصة لجهة توزيع الأسماء والحقائب، وفق ما أوحت به تصريحات عدد من قياديّي هذه الأحزاب لـ«الأخبار»، على رغم إعلان «تحالف إدارة الدولة» الذي يضمّ جميع القوى الفاعلة باستثناء «التيّار الصدري»، بعد اجتماع له أوّل من أمس، أنه سيطلب عقْد جلسة لمجلس النواب بعد غد، للتصويت على الثقة بالحكومة، ما يعني عملياً أن التشكيلة صارت جاهزة أو في مرحلة متقدّمة لإنجازها. وفي هذا السياق، يُبدي النائب عن «ائتلاف دولة القانون»، أحمد فواز، تفاؤله بإنجاز تشكيل الحكومة قريباً، ويقول إنه «يتمّ إعداد كابينة وزارية متكاملة لعرضها يوم السبت المقبل على مجلس النواب لمنحها الثقة. والمباحثات جارية ما بين الكتل السياسية، وهناك تفهّم للحالة التي يمرّ بها البلد، والمأزق الذي يعصف به».
وفي ما يتعلّق بالمكوّن الكردي تحديداً، يمكن الافتراض أن ثمّة اتّفاقاً ضمنياً بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، أسفر قبل أيام قليلة عن انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، ضمن صفقة متكاملة شملت تكليف السوداني بتشكيل الحكومة، ما يعني أن الحزبَين متفاهمان كذلك على كيفية تقاسم حصّة الأكراد في الحكومة في ما بينهما. ويقول القيادي في «الديموقراطي»، وفاء محمد كريم، لـ«الأخبار»، إنه «حتى الآن، لم تتمّ تسمية أحد لتولّي المناصب، فالديموقراطي يطالب بثلاث وزارات، من ضمنها وزارة سيادية مع نائب رئيس الوزراء»، مضيفاً أن «فؤاد حسين وبنكين ريكاني من الأسماء البارزة المطروحة لتولّي منصبَي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ولكن حتى الآن لم يُحسم الأمر، كون هذه المناصب للمكوّن الكردي، ويجب اشتراك الاتحاد الوطني الكردستاني فيها، وأعتقد أن الاتحاد سيحصل على وزارة خدمية، كوْن رئيس الجمهورية من حصّته». ومن جهته، يَلفت القيادي في «الاتحاد الوطني»، برهان شيخ رؤوف، إلى أن «قضية توزيع الوزارات قيد المداولة، والاتحاد لديه رئاسة الجمهورية والديموقراطي لديه النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، وبحسب الآليات الموضوعة، ستكون للاتحاد حصّته في الكابينة الوزارية المقبلة».
وما ينطبق على الأكراد ينسحب كذلك على «المكوّن» السُنّي، إذ إن الاتفاق بين كتلتَي «عزم» و«تقدّم» على الاندماج في «تحالف السيادة» الذي يضمّ معظم النواب السنّة، حسَم كلّ الخلافات بعد الانتخابات التي أُجريت في تشرين الأول 2021. وجاء ذلك الاتفاق بعد وساطات إقليمية شاركت فيها تركيا والإمارات، وكانت ثمرتها الأهمّ انتخاب الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب، وتولّي الخنجر رئاسة الكتلة النيابية لـ«السيادة». وفي ردّ على سؤال لـ«الأخبار» عن توزيع المناصب بين «تقدّم» و«عزم»، يقول القيادي في الثاني، سعد السبعاوي، إن «هنالك شخصيات سوف يتمّ ترشيحها من قِبَل قيادة التحالف في الأيام المقبلة»، مضيفاً أن «الإفصاح عن أيّ شخصية في الوقت الحاضر سابق لأوانه».