بغداد | عشيّة مغادرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منصبه، ضجّ العراق بفضيحة فساد كبرى شملت اختلاس أكثر من 2.5 مليار دولار، خلال الفترة التي تولّى فيها الأوّل السلطة. وعلى رغم إدلاء الكاظمي بمطالعة دفاعية أكد خلالها أنه ساهم في الكشف عن الفضيحة، إلّا أن خبراء يعتبرون أن الكشف عنها يأتي متأخّراً، وأن المحاسبة لن تطاول سوى بعض أكباش الفداء المُعدِّين مسبقاً لهذه الغاية، ولن تؤدّي في أيّ حال، وهذا هو الأهمّ، إلى عودة الأموال المنهوبة.وكانت محكمة تحقيق الكرخ الثانية، المختصّة بقضايا النزاهة، قد قرّرت استدعاء المدير العام لـ«الهيئة العامة للضرائب» ومعاونه، والمشرف على القسم المالي والرقابي ووكيل القسم المالي ومدير القسم المالي، وفقاً لبيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى. إلّا أن فضيحة بهذا الحجم، وفق تقدير الخبراء، وسوابق الفساد في البلد، لا بدّ أن تطاول أسماء كبيرة نافذة، لن يكون من السهل الوصول إليها أو استرداد الأموال منها.
ويقول عضو لجنة النزاهة النيابية عن كتلة «النهج الوطني»، أحمد طه الربيعي، لـ«الأخبار»، إن «وزارة المالية أرسلت في مخاطبتها مكتبنا تقريراً مفصّلاً بالمبالغ والجهات المسؤولة عن صرْف هذه المبالغ»، مضيفاً «أنني خاطبْت ولأغراض رقابية أكثر من مرّة، وزارة المالية لبيان المبالغ المسروقة والجهات التي تقف وراءها وإجراءات الوزارة لكشف سُرّاق المال العام. ودعوْت في وقت سابق، الجهات الحكومية المختصّة إلى منْع سفر بعض المدراء والكوادر العليا في هيئة الضرائب الذين تمّ تغييرهم إلى حين انتهاء التحقيق الإداري والقضائي. كما تواصلْت مع الجهات القضائية والرقابية لمتابعة تفاصيل الموضوع حتى استرجاع الأموال ومحاسبة الفاسدين». وفي حين شكّلت القضية إحراجاً للكاظمي، كوْن كلّ وقائعها جرت في عهد حكومته التي جاءت بوعْد مكافحة الفساد، فقد دافع الرجل عن «كابينته»، وقال في خطاب متلفز: «هذا الموضوع لا يخصّ الحكومة، بل دائرة من دوائر وزارة المالية. مع كلّ هذا، أنا أوّل مَن نبّهْت الوزير السابق (علي علاوي) عن هذه الظاهرة عام 2021، ووجّهْته بالقيام بتحقيق، وفي ضوء التحقيق أَصدر أمراً بمنع صرف أيّ أمانات للضرائب من دون استحصال موافقة الوزير»، الذي استقال قبل أشهر، وتحدّث في خطاب الاستقالة عن الأسباب التي دفعتْه إلى القرار، ومن ضمنها «ضغوط من الكتل السياسية».
الصرف بهذه الطريقة الفاحشة يخالف في غالب الأحيان قواعد حكومة تصريف الأعمال اليومية


ويلفت أستاذ القانون في جامعة ميسان، ماجد مجباس، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «غالباً ما يكون وراء هذه الصفقات أشخاص متنفّذون، ولهم سطوة كبيرة حتى يتجرّأوا على المال العام بهذا الشكل من خلال المراكز التي يشغلونها، ولكنّ الحديث عن الصفقات الأخيرة في ظلّ حكومة الكاظمي، أخذ أبعاداً أخطر، ولا سيما مسألة الأمانات المودَعة لدى مصرف الرافدين للهيئة العامة للضرائب»، مشيراً إلى «مخالفة حكومة الكاظمي ضوابط تصريف الأعمال اليومية، ومسألة أبواب الصرف، إذ إن الصرف بهذه الطريقة الفاحشة يخالف في غالب الأحيان القواعد الحاكمة لحكومة تصريف الأعمال». ويضيف «(أنّنا) لو تحدّثْنا تحديداً عن صفقة أمانات الضرائب لدى مصرف الرافدين، نلاحظ أنه تمّ سحْب الأموال ابتداءً من أيلول 2021، ما يعني أن جميع الأموال سُحبت في ظلّ حكومة تصريف الأعمال. كذلك، فإن الشركات التي عمدت إلى سحب هذه الأموال غالبيتها سُجّلت لدى مسجّل الشركات في الفترة نفسها، وكأنّها أُسّست لكي تقوم بهذه الصفقة في ما لو صحّ ما تَسرّب عن التحقيق».
ويتابع مجباس: «الآن نسمع الكثيرين، حتى على مستوى الجهات الرسمية، يتحدّثون عن عقاب المسؤولين عن الصفقة والتشديد على أن لا يفلت أيّ منهم، لكن ما الذي سيجنيه المواطن العراقي من معاقبة المسؤولين؟ فلا أرى أحداً يتحدّث عن طريقة لاسترجاع الأموال المسروقة. وبالتأكيد يُعدّ من يقومون بمِثل هذه الصفقات، مسبقاً، مجموعة من أكباش الفداء». ومن هنا، يُعرب عن اعتقاده بأنه «من الصعب استرجاع الأموال التي نُهبت في هذه الصفقة تحديداً وغيرها من الصفقات»، مشدّداً على أن «على الجهات القضائية أن تقوم بدورها، وعلى الأجهزة الرقابية التي تعمل بموجب قوانين خاصة، ومنها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والادّعاء العام، أن تسرّع الخطى في مسألة حماية المال العام. وكذلك بالنسبة إلى الحكومة ورئيس الوزراء المكلّف، فمن أهمّ الملفّات التي سوف تواجهه هو ملف محاربة الفساد أولاً، وتحدّي استرجاع الأموال المنهوبة ثانياً».