من المنتظر أن يلقي الرئيس بشار الاسد، قريباً، خطاب القسم الرئاسي. يقال انه سيكون خطاباً شاملاً. يركز، طبعاً، على واقع ومستقبل سوريا، ولكنه يتناول، أيضاً، أوضاع المنطقة عامة، من فلسطين الى العراق فالارهاب ومستقبل الصراع الدولي في الوطن العربي وعليه. ماذا يمكن ان يقول؟
ــــ يستطيع الأسد أن يقول إن العالم تبنّى وجهة النظر السورية بأن الارهاب حقيقة وليس وهماً، ولا بد إذاً من قرار دولي بوقف تمويله وتسليحه والتعاون لضربه والضغط على دول المنطقة لتغيير سياساتها. لم يقبل العالم ان الارهاب خطر سوى حين بدأت شراراته تعود الى الدول المصدرة له او المسهّلة لوصوله الى سوريا.
ــــ يستطيع القول إن دولاً عربية كثيرة من التي أخرجت سوريا من جامعة الدول العربية، تبنّت وجهة النظر السورية حيال الاخوان المسلمين وتوصيف الازمة والعودة الى الحل السياسي. لا بل ان السعودية نفسها التي كانت مع قطر وتركيا أبرز داعمي المسلحين والمعارضة في سوريا، صارت كما دمشق تعتبر الإخوان ارهابيين.
ــــ من الصعب أن يحدّد الرئيس السوري موعداً لانتهاء الحرب في سوريا. محاربة الارهاب ليست مسألة شهر أو شهرين. لكنه قادر على الحديث عن استعادة الجيش السوري كثيراً من المناطق وخصوصاً المدن الكبرى. يستطيع أيضاً التركيز على حسن سير المصالحات الداخلية والمباشرة بإرجاع الناس الى بيوتهم واعادة الاعمار. سيكون خطابه بهذا المعنى هادفاً الى بث روح الطمأنينة. سيكون خطاباً مؤكداً ان المرحلة الأخطر قد جرى تجاوزها، لكن الارهاب يبقى خطراً كبيراً.
ــــ من غير المحتمل ان يغيّر الاسد موقفه حيال الحوار مع معارضة الخارج. هو أصلاً، ومن أول خطاب له، لم يكن يعتبرها ذات شأن، فكيف وهي الآن مفكّكة سياسياً وغارقة في حروب تكفيرية عسكرياً. لا بد اذاً من التركيز على الحوار الداخلي وتحت سقف الدولة. هذا هو فقط الحوار المقبول من وجهة النظر الرسمية السورية. لا حوار خارج الدستور، وهو لا شك سيشير الى ان الناس في الانتخابات اختاروا ما يريدون وحدّدوا البوصلة.
ــــ ما حدث في العراق وفلسطين يقدم سجادة حمراء للرئيس الاسد لتجديد تأكيد ان العروبة الجامعة لكل اطياف المجتمعات من عرب وكرد وسريان واشوريين وكلدانيين ومسيحيين ومسلمين هي الوحيدة القادرة على منع التقسيم واستعادة اللحمة. وهي أيضاً القادرة على حماية الشعوب واستعادة الحقوق السليبة في فلسطين وغيرها. لعله بعد الحرب الحالية على غزة قادر على تظهير صورة للجامعة العربية وللنظام الرسمي العربي تؤكد عجز هذا النظام عن حماية فلسطين، بل والتواطؤ مع الاسرائيلي، فيما يسارع لتسهيل ضرب الاطلسي لليبيا او يطالب بضرب سوريا. وهو قادر على تأكيد ان محور المقاومة هو الانجع ضد اسرائيل. من المنتظر ان يقول الاسد ان سوريا كانت وستبقى داعمة للمقاومة ولفلسطين، حتى ولو كان العتب كبيراً على من ضيّع البوصلة في لحظة معينة.
ــــ غالباً ما يتجنّب الرئيس السوري استخدام عبارات مذهبية في خطاباته، وحين يريد توجيه رسالة أوضح يجتمع مع رجال الدين، لكن الاسد اليوم في حاجة الى خطاب يطمئن الناس من كل المذاهب والأعراق على أرض سوريا. ليس غريباً ان يعطي مثال فلسطين الجريحة والصامدة، فلا ذريعة للآخرين بعدم الدفاع عنها ذلك ان الذين يُقتلون ليسوا شيعة ولا علويين ولا صفويين، هم سنّة لكنهم متروكون لمصيرهم.
ــــ لا شك في أن الاسد سيركّز في خطابه على استمرار معركة الحسم ضد الارهاب. لكن الأكيد انه سيكرّر عبارات الحوار والمصالحة. خطاب القسم بهذا المعنى سيكون جسراً نحو الآخر، نحو تلك الفئة الرمادية التي لم تكن لا مع النظام ولا مع المعارضة، لكن جزءاً اساسياً منها ذهب الى صناديق الاقتراع لقناعته بأن الدولة يجب ان تعود وان الجيش وحده قادر على حماية الناس.
ــــ ليس الاسد من النوع العاطفي او الشخصاني في خطاباته. غالباً ما يقدم صورة الاكاديمي البارد. يبرر ذلك بأن خطابه سيبقى وثيقة تاريخية يمكن العودة اليها بعد عشرات السنين، وثائق كهذه، خصوصاً في اوضاع الحرب، لا تحتمل العواطف. لكن الاسد المقبل على ولاية ثالثة، والمدرك ان كثيراً من خصوم النظام سابقاً صوتوا له بعد اليأس من المعارضة والدعم الخارجي، سيكون لا شك أكثر استخداماً لعبارات قريبة من الناس هذه المرة. هو يريد شكر الذين صوّتوا له فيما القذائف كانت تنهال عليهم.
هو، إذاً، خطاب سيراوح بين التشديد على الحوار والمصالحة، وبين الحزم في استمرار المعركة ضد الارهاب. لكنه على الارجح الخطاب الاكثر راحة للاسد. ذلك ان تقدم الجيش في الداخل، والاطار العام في المنطقة، والاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي ينسجها الغرب مع الدولة السورية حالياً لمكافحة الارهاب، كل ذلك جعل الاسد يقول: «ان العالم اقتنع بأننا كنا على حق»...
لكن من سيعيد اعمار ما دمرته الحرب من حجر ونفوس وبشر ؟ ربما هذا في حاجة الى سنوات، لا بل وعقود طويلة.
2 تعليق
التعليقات
-
تشخيص الأسد للإرهاب... كان صائباً من المفيد التذكير أن الرئيس الأسد كان قد حدد في خطابه الذي ألقاه عام 2012 الأسس الضرورية لانطلاق ورشة تكوين السلطة بمشاركة كافة الأطياف السياسية للخروج من الأزمة الدموية الطاحنة التي ما زالت تعيشها بلاده حتى الآن. تعهد الرئيس وقتها إجراء استفتاء على دستور جديد في بداية آذار من ذلك العام، تليه انتخابات برلمانية وتأليف حكومة «تمثل جميع أطياف المجتمع»، وشدد، كما الآن، على «استعادة الأمن وضرب الإرهاب»، واتهم أطرافاً دولية وإقليمية( لم يذكر حينها الثلاثي :قطر والسعودية وتركيا) بـالتآمر على بلاده كما ثبت لاحقاَ. رمى الأسد الكرة حينها في ملعب "المعارضة" آملاً في إقامة حوار وطني داخلي لحل الأزمة لكن مصادرة قرارها من قبل "القاعدة" وأذرعها مثل الـ"نصرة" و"داعش"أربك الوضع وأثبت أن تحذيره من الإرهاب التكفيري كان صائباً. الأرجح أن الأسد سيُذكر في خطابه الجديد شعبه والعالم بتحذيراته من الإرهاب المتمدد عبر الحدود وسيكرر دعمه للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في الصراع مع العدو وهو أمر تثبته الأيام كل يوم وسيكشف زيف الحكام الآخرين أمام شعوبهم.
-
نثمن عاليانثمن عاليا اخي الدكتور سامي كليب رؤيتك السديدة ونظرتك المستقبلية الواضحة المعالم والاهداف وقراءتك المسبقة واقتراحاتكم لخطاب القسم الذي سيلقيه الرئيس بشار الاسد, واحي مواقفكم السياسية المشهودة لها من اجل حل قضايا كل المكونات القومية ضمن المفهوم الوطني ووحدة الاوطان وخاصة في العراق وسوريا, لاغلاق الباب كليا امام المؤامرات التي تحكيها الدول الغربية ضد اوطاننا وعلى راسها العدو الصيهوني وامريكا من اجل تفتيت بلدان الشرق الاوسط. في الوقت الذي نراهن كثيرا على نتائج الاتفاق التاريخي الذي تم بين التيار الوطني الحر وحزب الله, والذي انعكست نتائجه الايجابية على على لبنان وعلى كل الوطنيين الاوفياء في الشرق الاوسط. لبناء مفهوم جديد يساهم في تعزيز العيش المشترك بين جميع المكونات القومية والدينية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا, ولوضع حد نهائي لكل معارك الربيع العربي التي تحرق الطاقات الوطنية في الاتجاه الخاطئ وتلهي شعوب المنطقة عن مشروع التنمية والتطور, كما احي العقلية الشيعية اللبنانية التي اثبتت صحة جدارتها وصوابية مسارها السياسي ونتائجها العملية ومساهمتها في الاستقرار, واتمنى من جميع شعوب المنطقة الاستفادة منها والتعاون والتنيسق معها من اجل تحقيق الاستقرار لكل منطقة الشرق الاوسط!