الحرب على التعليم
ثمّة إجماع وطني في سوريا على أن ترميم الأضرار الكارثية للحرب، يبدأ من إصلاح قطاع التعليم، وتمكينه من استعادة دوره، ولا سيما أن المؤشّرات الإحصائية تُظهر أن نصف جيل اليافعين تسرَّب من نظام التعليم الأساسي ما بين عامَي 2011 و2020، وهو ما أدّى إلى تداعيات خطيرة. فعلى سبيل المثال، عانت بعض الفتيات الأصغر سنّاً في الغوطة الشرقية من مصاعب في الكتابة، في حين خسرت الفتيات الأكبر سنّاً في الرقة عدّة سنوات من التمدرس أو كُنّ قد خرجْن من المدارس بالكامل نتيجة المعارك والنزوح. ومن هنا، شدّد فتيان في السويداء وإدلب على أهمّية إنهاء الحرب، وما نَتج منها من مشاكل سياسية واقتصادية، بوصفه عاملاً أساسياً لتوفير ظروف لائقة لهم لكي يتمكّنوا من العودة إلى الدراسة، والعمل، وبناء العلاقات.
اللافت في نتائج البحث المُشار إليه، إلى جانب تأكيده حصول «تدهور في جودة التعليم من حيث المعارف والمهارات التي اكتسبها اليافعون الذين بقوا في النظام التعليمي»، أن ضعف جودة التعليم والظروف الأمنية ليست وحدها المسؤولة عن تسرُّب ملايين الأطفال من مدارسهم، وإنّما ثمّة عوامل أخرى من قَبيل التغيّر في تصوّرات الناس عن قيمة التعليم، وتنامي الفقر وانعدام الأمان، والوضع الاقتصادي للعائلات. ووفقاً لما نقله الأشخاص المفتاحيون في البحث، فإن اليافعين في المناطق الريفية من محافظة حمص، هم الأكثر معاناة جرّاء الأخطار التي كانت محدقة بهم، والتكاليف المتعلّقة بالنقل، وانتشار ظاهرة التحرّش بالفتيات على نطاق واسع. وفي الوقت الذي اضطرّ فيه عدد أكبر من الفتيان إلى ترك المدرسة للالتحاق بالعمل من أجل دعم عائلاتهم بسبب الفقر أو غياب المعيل، فقد حصلت زيادة كبيرة في نِسب الزواج المبكر لدى الفتيات، نتيجة الفقر والأعراف الاجتماعية المتحيّزة؛ إذ ثمّة عائلات فضّلت دعم تعليم الذكور على تعليم الإناث.
معظم اليافعين عبّروا عن أملهم بمستقبل أفضل، والحصول على شكل لائق من أشكال التعليم
ويترك تعدُّد المناهج الدراسية والأنظمة التعليمية ضمن البلد، أثره المباشر في تلقّي اليافعين تعليمهم. فإلى جانب النظام التعليمي المعترَف به دولياً، والمطبَّق في المناطق التي تسيطر علها الحكومة السورية، تقوم أنظمة خاصة في المناطق الخاضعة لـ«الإدارة الذاتية»، وأخرى في مناطق سيطرة الفصائل المسلَّحة المدعومة تركياً، وثالثة في مناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام». وبحسب ما يشير إليه اليافعون في الحسكة، فإن مشاكل عديدة نتجت من ازدواجية النظام التعليمي تلك، على رغم أن الناس هناك ظلّوا يفضّلون المدارس الحكومية بسبب الاعتراف بشهاداتها، لكنّ هذه المدارس مكتظّة وغالباً ما تكون بعيدة عن منازلهم. كما تطرّق المستطلَعون إلى وجود مشاكل في التواصل بين طلّاب المدارس، سواء التي تستعمل اللغة الكردية أو اللغة العربية. أمّا في الرقة، فإن وجود عناصر متطرّفين مِن مِثل تنظيم «داعش»، شكّل خطراً شديداً على اليافعين في حال التحقوا بالمدارس الحكومية الموجودة خارج مناطقهم.
الأمل المحاصَر
على رغم كلّ ما تَقدّم، فإن معظم اليافعين عبّروا عن أملهم بمستقبل أفضل، والحصول على شكل لائق من أشكال التعليم، والمسيرة المهنية والرفاهية. وإذ يسعى العديد منهم إلى الحصول على شهادات جامعية، والعمل في مهن تقليدية تحظى بتقدير اجتماعي مِن مِثل الطب أو الهندسة أو القانون إضافة إلى قطاع الإنترنت، فإن «هذا الأمل كانت تُقابله دائماً إشارة بارزة إلى العوائق الناجمة عن الحرب وحالة انعدام الأمن، والمتعلّقة بالتدهور في المجالات المؤسّساتية والاجتماعية والاقتصادية». في المقابل، ركّز يافعون آخرون على مهن بسيطة كالطبخ، أو حلاقة الشعر، أو الخياطة، كانت بعض الفتيات الأكبر عمراً في حلب والرقة مثلاً، يعملن بها نظراً إلى غياب الدعم لتعليمهنّ أو بسبب تأثير انعدام الأمن والتحرّش على قدرتهنّ على التنقل. كذلك، آثر عدّة فتيان من إدلب والرقة بعض المهن التي تدرّ برأيهم دخْلاً أكبر، كامتلاك شاحنة والعمل عليها، أو امتلاك ورشة لتصليح السيارات أو لإصلاح الهواتف الخلوية، أو ورشة حدادة، علماً أن بعضهم يعمل أصلاً في التجارة والإنشاءات كما هو الحال في طرطوس مثلاً. لكنّ ثمّة قسماً ثالثاً لم تقتل الحرب فيه رغبة التميّز والانخراط في مهن أكثر إبداعية وأقلّ تقليدية، بما في ذلك: التمثيل، الغناء، الكتابة، المكياج، التصميم الغرافيكي، تطوير البرمجيات، الرسم، الصحافة، تصميم الأزياء والموسيقى، فيما ثمّة مَن يطمح إلى أن يكون مؤثّراً في موقع «يوتيوب» (يوتيوبر)، أو في شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى. أمّا بعض الفتيان الأصغر عمراً في عدّة أماكن، فإن طموحهم هو أن يصبحوا لاعبي كرة قدم محترفين.