تقتضي المهنية الصحافية عدم الشتم، وألّا يتمّ الرد على الصفيق بصفاقة، لذلك، تقتضي الحالة أن أكون مهذباً، وأنا لست كذلك، ولن أكون.في مرة من المرات، شهدت «رجلاً» يصفع أمه، وكان الأمر أمام حشد من الجيران، بصقوا عليه، وأنا مثلهم بصقت، وانتهى الأمر بأنه لم يعد أحد من الجيران يطرح عليه السلام، إلا أمّه.
كان رد الناس عليه طبيعياً جداً، وسلوك أمه بعد ذلك طبيعي أكثر، فهي التي تملك صفات الآلهة على الأرض حين يتعلق الأمر بأولادها.
أمّا «الرجل» الذي يحمل لقب «محافظ» نابلس، المسمى (***)، فليس سوى حالة شاذة تماماً عن البشر، وليس أكثر من شواذ حركة فتح العظيمة التي قدمت الشهداء، واحتوت عائلاتهم. هو لا يمتّ لذاك التاريخ الطويل من النضال المشرّف، الذي يأتي واحد مثل هذا «المحافظ» ليقتله بتصريح أقل ما يقال عنه إنه قليل أدب، ولا يمتّ للأخلاق بصلة.
إن الخشية ليست فقط من مثل هذه التصريحات القليلة الأدب والأخلاق، الخشية أن تكون هذه الأصوات قد أمست ظاهرة في السلطة الفلسطينية، التي تمارس في كثير من الأحيان قلّة الأدب، لكن لم يصل الأمر بأحد من أفراد هذه السلطة أن تجرّأ على أمهات الشهداء. وحين أخشى من ذلك، فلي ما يبرر ذلك، وهو التضامن الذي ظهر في بعض البيانات الممهورة باسم حركة فتح، كالبيان الذي صدر عن إقليم بيت لحم (بحكم القرابة بين مسؤول في السلطة والمدعو (***))، وفيه تبريرات وتهديدات وكلام كثير من ذاك الكلام الذي يسقط مباشرة عند المواجهة بالحقائق، أولاها، حقيقة، من هي حركة فتح انطلاقاً من تاريخها، وثانيتها، أن أولئك ليسوا فتحاويين، ولا كانوا، إنما هم مرتزقة على أعتاب حركة لا يعوّل على غيرها بلمّ شمل الشعب إن تشتّت، ولا يعوّل على غيرها أن تقوم قيامة المقاومة الفلسطينية في كل الأنحاء الموجود فيها فلسطيني. أمثال هذا المحافظ ليسوا أبناء حركة فتح، والأهم أنهم ليسوا أبناء شرعيين لفلسطين. وإن كان البعض سيرى أن الهجمة على «فتح» هنا فيها مؤامرة، ومنساقة مع هجمات فصائلية أخرى، فالرد الأبلغ على مثل هذه «التهمة العربية» الجاهزة أن على الفتحاويين أن يقطعوا ألسنة أمثال (***)، فهؤلاء من يجلبون الشتيمة، وهؤلاء فقط من يجلبون العار إلى بيتنا الفلسطيني الذي يعتز بما قدمه الشعب منذ ما قبل النكبة حتى اليوم.
الخشية أن تكون هذه الأصوات قد أمست ظاهرة في السلطة


فـ«الرجل» الذي قال على أثير إذاعة «النجاح» المحلية بأنّ أمهات الشهداء «شاذات»، ويظهرن للناس أنهنّ مناضلات، ويرسلن أبناءهن إلى الانتحار، وبالتالي أمثالهن ليسوا أمهات. الذي يقول هذا الكلام، لا يجب أن يحسب على الشعب الفلسطيني، ومن العيب على رئاسة السلطة أن تترك أمثاله في مواقع المسؤولية، فهؤلاء يا سيادة الرئيس محمود عباس، حجّة عليك من الجميع، منا نحن الشعب الفلسطيني (الذي سيبقى فلسطينياً رغماً أنف الكبير قبل الصغير)، ومن العرب الداعمين لنا (ستخجل يا سيادة الرئيس إن سألك رئيس الجزائر يوماً، لماذا لم تُقِل المسمّى (***) من منصبه بعد تلك التصريحات المعيبة)، ومن الكيان الذي سيفاخر (أمامك وخلفك) أنه نجح في بتر الأخلاق من مسؤولين في سلطتك.
أكتب ما كتب، وأنا في داخلي بعض إيمان، أن أوسلو لم يقتل «فتح» تماماً، وأن هناك أملاً، يمكن التعويل عليه، وحتى أمهات الشهداء، أنبل من فينا، يؤمِنّ بأن *** يمثّل نفسه، فوالدة الشهيد إبراهيم النابلسي قالت: «من هذا الذي يريد أن يتعدَّى على أمهات الشهداء، من هو؟» وأضافت مطالبة الرئيس محمود عباس بأن يتخذ قراراً حاسماً به، لإنصاف أمهات الشهداء، «نحن ضحّينا بفلذات أكبادنا وأغلى ما نملك من أجل الأقصى الذي هو ليس قضية الشعب الفلسطيني بل الأمة، نُضحّي من أجل الأقصى»، وكذلك قالت والدة الشهيد أدهم مبروك: «أبناؤنا هم من رفعوا رأسنا وكرامة الأمة كلها، فنحن نرسل أبناءنا ليس من أجل الكراسي أو الأموال، وإنما لوجه الله تعالى»، ووالدة الشهيد محمد عزيزي: «نستنكر ما قاله المحافظ، فلا يوجد أحد يتقبل بهذه الإساءة التي طالت جميع أمهات شهداء فلسطين، وهذا المحافظ مسّ كل أمهات الشهداء، والاعتذار والإقالة هما أقل شيء، بعد ما صدر منه»، كذلك والدة الشهيد مهند الحلبي التي قالت: «إن محافظ نابلس، الذي وصف أمهات الشهداء بالشاذات، هو شخص ساقط وعديم الأخلاق والشرف (...) ولا يوجد لديه انتماء ولا وطنية ولا ينتمي إلى وطن».
فكفى يا «فتح» العظيمة قبولاً بهؤلاء الشواذ عن فلسطين وشعبها، وكفى يا «فتح» العظيمة نزولاً بالشعب الذي ما زال يذكر اسم الشهيد ياسر عرفات، كأنه الأب الذي لن يأتي بعده أب لفلسطين، كفى يا «فتح»، لا تدعي الشعب يكفر بك، فإن خسرناك يا حركة كمال ناصر وكمال عدوان وماجد أبو شرار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو علي إياد وكل الشهداء، خسرنا استقامة ظهرنا حتى الأبد. فارحمينا، رحمةً بفلسطين.

(***) إشارة إلى اسم المحافظ الذي لا يستحق ذكر اسمه على هذه الصفحات