احتفلت حركة «الجهاد الإسلامي»، قبل أيام، بذكرى انطلاقتها الـ35. الحركة التي وُلدت من رحِم الجدل، ظلّت طوال سنوات مسيرتها تُشكّل الحالة التي تزعج الجميع. «هي مزعجة بلا شكّ»، يقول لـ«الأخبار» الباحث السياسي، محمد حجازي، ويضيف: «إذا تتبّعْنا مسيرة الجهاد منذ نشأتها، نجد أنها تمرّدت على الفهم التقليدي للإسلام، مُستلهِمةً نماذج الإسلام الثوري، كما شكّلت حالة نقدية لواقع الحركة الإسلامية، خاصة لناحية الابتعاد عن الصراع مع العدو الصهيوني وتجاهُل فلسطين كقضية مركزية للأمة، ما دفع جماعة "المجمع الإسلامي" أو حثَّها على سرعة الانخراط في ميدان المقاومة، لأن الالتفاف الجماهيري السريع حول حركة الجهاد الإسلامي وقيادتها للشارع، كان يهدّد بسحب البساط من تحت أقدامهم». في الميدان، كما في الأفكار، رسم أبناء «الجهاد» بداياتهم. ففي بداية الثمانينيات، كان القائدان المحرَّران، الراحل أحمد أبو حصيرة والمجاهد محمد الحسني، يَخطّان مسِير المواجهة. وتَبِعهما المحرَّر خالد الجعيدي في ما أُطلق عليه «ثورة السكاكين»، حيث نفّذ عمليات طعن هدفت إلى كسْر حالة «الاندماج الطبيعية» بين المستوطنين وسكّان قطاع غزة، في وقت كانت فيه الضفة قد أشعلت نارها في باب المغاربة عام 1986. قبْل ذلك، برزت عمليات المحرَّر فؤاد الرازم والأسير نضال زلوم، وبَعدها لَمع القائد عصام براهمة في تأسيس مجموعات «عشّاق الشهادة في الضفة الغربية المحتلّة». أيضاً، كان لـ«الجهاد» قصب السبق في تنفيذ عملية الهروب الكبير من سجن غزة المركزي؛ ففي 17/5/1987، تمكّن ستّة أسرى من الهرب، هم الشهداء مصباح الصوري، محمد الجمل، سامي الشيخ خليل، برفقة المقاومين: صالح شتيوي، عماد الصفطاوي وخالد صالح، لتشكّل تلك العملية التي اشتبك عدد من أبطالها مع قوّات الاحتلال بعد خمسة أشهر من المطارَدة، شرارة انطلاق الانتفاضة الأولى في 8/12/1987، التي ساهم في اندلاعها كذلك إبعاد الشيخ عبد العزيز عودة الذي كان يقوم بدور المرشد الروحي لـ«الجهاد الإسلامي».
لم تمضِ سنواتُ ما بعد انتفاضة الحجارة، سهلة على كلّ من الاحتلال والسلطة الوليدة؛ إذ تركت الحركة بصماتها بسلسلة من العمليات الاستشهادية التي ضربت العمق الإسرائيلي منذ عام 1993 وحتى عام 1997، كان من أبرزها «ناحل عوز» عام 1993، و«بيت ليد» سنة 1995، و«شارع ديزنغوف» عام 1996. كان الهدف من تلك العمليات التي تسبّبت بمقتل وإصابة مئات الجنود الإسرائيليين، هو «عرقلة اتّفاق أوسلو، الذي يُراد منه تمرير المشروع الاستيطاني الإسرائيلي»، وفق ما قاله مؤسِّس «الجهاد»، الدكتور فتحي الشقاقي، في إحدى مقابلاته الصحافية. هنا، يعلّق حجازي بالقول: «شكّلت الجهاد الإسلامي آنذاك، عامل قلق ليس لإسرائيل فقط، التي اغتالت أمينها العام السابق فتحي الشقاقي عقب عملية بيت ليد، إنّما لأجهزة السلطة الأمنية، التي وجدت في الجهاد عقبة أمام اكتمال المشروع السياسي الوهم، لذا شنّت ضربات أمنية مركّزة طاولت عناصر الحركة وقيادتها، وأدّت إلى احتجاز معظم عناصر الجهاد ومناصريها في السجون التي قضوا فيها سنوات عديدة». يحقّ القول، إذاً، بحسب حجازي، إن «الجهاد تبدأ بشق كلّ الطرق، وتقود أولى الخطوات دائماً، تلك التي تُعارِض فيها المزاج العام للأجهزة الحاكمة». ومن هنا، فـ«هي عقبة في وجه اكتمال كلّ مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، كانت عقبة أمام خروج المجاهدين من فلسطين للقتال في أفغانستان، وكانت عقبة أمام استمرار أوسلو، وهي عقبة اليوم أمام كلّ مخطّطات تدويل قطاع غزة وحصْر الصراع فيه في إطاره المعيشي، وفي وجه تدجين الضفة وإلهائها بسراب التنمية والرفاهية»، وفق ما يخلص إليه الباحث السياسي.
في الميدان، كما في الأفكار، رسم أبناء «الجهاد» بداياتهم


وفي الاتّجاه نفسه، يصف المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، «الجهاد»، بأنها «مزعجة، وفاعلة، ولا تهدأ أو تتراجع تحت أيّ ضغوط أو تهديدات، كما أنها خارج أيّ تشكيل حكومي، ما يجعلها أقلّ عُرضة للابتزاز (...) وعليه، فإن إسرائيل ترى أن الطريقة الأنسب للتعاطي مع الحركة هي القتل والتصفية فقط». ويَعتبر محمد، في هذا الإطار، أن «الجهاد تعرّضت في معركة "وحدة الساحات" لضربة غدر، كان يمكن أن تتطوّر إلى حرب اجتثاث لو امتلكت إسرائيل المعلومات المخابراتية اللازمة لها»، مضيفاً أنه «في جولة القتال الماضية، لم تبادر الجهاد إلى أيّ فعل عسكري، بل عاقبتها إسرائيل على أفكارها، وعلى طريقة تفكيرها». ويخلص إلى أن «ما سبق هو الواقع، وما هو قادم، مزيد من الاستهداف ومحاولات إضعاف الحركة عقب تصفية رموزها التاريخية، ومن ذلك يمكن أن نفهم تهديد وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، باغتيال أمينها العام، زياد النخالة، في خضمّ معركة وحدة الساحات. لكن، إنْ نجح سلفه إسحاق رابين في مسعاه عام 1995، فإنه من الممكن أن ينجح يائير لابيد ومِن خَلْفه غانتس».