ثلاثة أجنحة عسكرية شكّلتها حركة «الجهاد الإسلامي»، منذ انطلاقتها في مطلع الثمانينيات. حمل الجناح العسكري الأوّل اسم «سيف الإسلام»، وهو اسمٌ - إلى جانب سطوة الإيديولوجيا عليه - بدا متوائماً مع طبيعة الفعل العسكري الذي بدأته الحركة آنذاك، إذ تَمثّلت أداته الأولى في «السكّين»، حيث نفّذ الأسير المحرَّر خالد الجعيدي، والمعروف بـ«مفجِّر ثورة السكاكين»، حتى عام 1986، العديد من العمليات الفردية باستخدام السلاح الأبيض. أراد «سيف الإسلام» إعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال، والتي قلّلت سنوات كُمون فعل الاشتباك والمواجهة، حدّة العدائية فيها، خصوصاً في أعقاب توقيع اتّفاقية «كامب ديفيد»، وتراجُع احتضان الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، ثمّ تشتُّت «منظّمة التحرير الفلسطينية»، وما رافقه من تضاؤل حضور الحركات اليسارية مع أفول نجم الاتحاد السوفياتي. وقد وظّف ذلك الجناح الأدوات القتالية المتوفّرة في كلّ بيت، لتحقيق أهداف ذات صلة بالوعي الجمعي للفلسطينيين والمحتلّين على حدٍّ سواء. وإلى جانب عمليات الجعيدي، نفّذ العشرات من المقاومين هجمات مماثلة، تسبّبت في مقتل وإصابة العشرات.يقول الحاج محمود صالحة، الذي كان قد عايش تلك الفترة، في حديثه إلى «الأخبار»: «قبل ثورة السكاكين، كان المستوطنون يتجوّلون بحرية في أسواق الشجاعية وجباليا، بكلّ بساطة يتناولون وجبة فطور الفلافل في الساحة وسط مدينة غزة، ثمّ يأتون إلى سوق اليرموك، ويغادرون عند المساء، أو يبيتون في منزل أحد أصدقائهم في أحد المخيّمات». ويستدرك صالحة: «بعد تنفيذ عدّة عمليات في الشجاعية وجباليا، اختلفت الحال. تقلّصت عدّة مشاهد كانت اعتيادية، كأنْ يحمل جندي إسرائيلي سلاح عدد من رفاقه، فيما يشارك الجنود أطفال المخيم في لعب كرة القدم مثلاً (...) لم يَعُد يأْمن الجنود على حياتهم، فيما برزت عدّة أسماء من الأبطال مثل عامر سرحان وأشرف البعلوجي ورائد الريفي. اختفى بعد العشرات من العمليات الوجود الطبيعي للمستوطنين، وصار الجنود أكثر حرصاً وعدوانية تجاه السكّان».
تلك الفترة من العمل حملت طابع السرّية. يقول الجعيدي، في إحدى المقابلات عقب تَحرّره في صفقة «وفاء الأحرار» عام 2011: «كنت أضربُ المستوطن أو الجندي ضربة واحدة في العنق، ثمّ أختفي، وكان لا بدّ للضربة من أن تكون قاتلة». لكن فعل «سيف الإسلام» لم يتوقّف عند حدود السكاكين؛ فقد مثّل هروب الأسرى الستّة من سجن غزة المركزي في عام 1987، فاتحة عهد جديد من العمل المقاوم، بعدما خاض أبطال العملية اشتباكاً صاخباً مع قوات الاحتلال في شهر تشرين الأوّل من العام ذاته، استشهد فيه مصباح الصوري ومحمد الجمل وسامي الشيخ خليل. ألهب ذلك الحدث الشارع الغزاوي، ثم سرعان ما تَمدّد إلى الضفة الغربية المحتلّة. وعقب شهرَين من المناوشات والغليان، انطلقت الانتفاضة الأولى في كانون الأول 1987.
الحالة الفلسطينية مغايرة لكلّ الاحتلالات التي عرفتْها الـ100 عام الأخيرة على الأقلّ


أمّا الجهاز العسكري الثاني للحركة، فقد أسّسه القيادي الشهيد محمود عرفات الخواجا، وحمل اسم «القوى العسكرية المجاهدة (قسم)». باشرت «قسم» عملها العسكري في مطلع التسعينيات، ودشّنت آنذاك فاتحة العمل الاستشهادي. ففي عام 1993، نفّذ الاستشهادي أنور عزيز عملية كانت الأولى من نوعها، حيث قاد سيّارة مفخّخة إلى حاجز «ناحل عوز»، وفجّرها في وسط من الجنود والجيبات العسكرية. وعلى رغم الجدل الفقهي حول مشروعية الاستشهاد بتلك الطريقة، مضَت «قسم» على النهج نفسه، ونجحت طوال سنوات في تنفيذ العشرات من العمليات النوعية، أبرزها عملية «بيت ليد»، والتي تُسمّى في أدبيات الحركة «عروس العمليات الاستشهادية»، بعدما تمكّن فيها الاستشهاديان أنور سكر وصلاح شاكر، اللذان تنكّرا بلباس الجيش الإسرائيلي، من الوصول إلى مفترق قرية بيت ليد المهجَّرة، أو ما يُعرف بمفترق «هاشارون» غربي مدينة طولكرم، ونفّذا هجوماً مزدوجاً بفارق زمني سمح بتجمُّع وحدات الجيش والشرطة في المكان، ما أدّى في مجمله إلى مقتل 19 جندياً وإصابة 62 آخرين. وعلى إثر ذلك، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي، فيما خَلَد تعليق رابين على العملية، بالقول: «ماذا تريدون مني أن أفعل؟ هل أعاقبهم بالموت؟ هم يرغبون فيه».
وإذا كانت السكاكين والعمليات الاستشهادية هي ما ميّزت أوّل جهازَين عسكريَّين لـ«الجهاد»، فإن الانتفاضة الثانية عام 2000، والتي انطلق فيها الجناح العسكري الثالث الذي حمل اسم «سرايا القدس»، قدّمت تكتيكات متنوّعة من الفعل العسكري، إذ افتتحت «السرايا» الانتفاضة بعملية استشهادية نفّذها الاستشهادي نبيل العرعير في 26/10/2000، ثم تحوّلت إلى اقتحام المستوطنات المُقامَة على أراضي قطاع غزة، وتنفيذ العمليات الفدائية في العمق الإسرائيلي، فضلاً عن نصْب الكمائن التي ترافقت مع التصدّي للاقتحامات الإسرائيلية للمخيّمات والمدن، وصولاً إلى إطلاق الصواريخ وتوظيف الصواريخ المُوجَّهة في استهداف المدرّعات الإسرائيلية. هكذا، استطاعت «السرايا»، خلال سنوات الانتفاضة الثانية وحتى اليوم، المحافظة على ديمومة سلوكها، وهو «المشاغلة». ففي عقيدتها القتالية، ليس المهمّ أن تقتل، بقدْر ما هو مهمّ أن تحافظ على استمرارية الفعل. «هذا المحتلّ، يجب أن لا يشعر بالأمان على هذه الأرض، ولو ليوم واحد»، يقول أحد قادة السرايا لـ«الأخبار»، مضيفاً: «اليوم الذي نصمت فيه عن الفعل، يتقدّم العدو خطوات في مشروعه الاستيطاني التوسّعي، السلاح والطريقة هما أداة، والأداة لم تكن يوماً معيار الفعل، المهمّ هو إرادة الفعل».