على مدار أربعة عقود، سعت حركة «الجهاد الإسلامي» إلى أن يكون العمل المقاوم ضدّ الاحتلال مرتكزاً لعلاقاتها الداخلية والخارجية، وهو الأمر الذي مكّنها من تجاوُز عثرات وإشكاليات وقعت فيها الحركات الفلسطينية الأخرى. إذ لم تكن «الجهاد» طرفاً في الخلافات الداخلية الفلسطينية والانقسام بين حركتَي «حماس» و«فتح»، بل حافظت على موقف متوازن داعٍ إلى إنهاء الانقسام وإعادة ترتيب الحالة الفلسطينية الداخلية، وخاصة «منظّمة التحرير». وعلى الرغم من اختلافها فكرياً وسياسياً مع نهج «فتح»، وتوجيهها انتقادات لاذعة إلى خطّ «أوسلو»، إلّا أنها حافظت على علاقات إيجابية مع «فتح»، ولم تدْخل في صدام معها، على الرغم من تعرّض عدد من عناصر «الجهاد»، خلال السنوات الأخيرة في الضفة الغربية المحتلّة، للاعتقال والمضايقات. في المقابل، وعلى رغم متانة علاقة «الجهاد» بحركة «حماس»، والتقارب الكبير بينهما وخاصة في ميدان المقاومة، إلّا أن الأولى لم تؤيّد سيطرة الثانية على قطاع غزة، كما لم تسكت عن بعض الأخطاء الإدارية التي أضرّت بالحاضنة الشعبية للمقاومة في القطاع. ومع ذلك، فهي لم تترك «حماس» وحيدة في مواجهة مخطّطات الاحتلال لإثارة القلاقل داخل غزة في الأعوام الماضية. ودائماً ما تترأّس «الجهاد»، التي تمتّعت بعلاقات وطيدة مع مختلف الفصائل، لجان العلاقات الوطنية والفصائليّة، وهو الأمر الذي يلْقى ارتياحاً من الجميع، ويتيح لها لعب دور مفصلي في تقريب وجهات النظر. ورسّخت الحركة موقفها من الانقسام، على لسان أمينها العام السابق، الراحل رمضان عبد الله شلح، الذي شدّد على ضرورة «مواجهة المخطّط الصهيوني، الرامي إلى تحويل الصراع من صراع بين الشعب الفلسطيني والمحتلّ الإسرائيلي، إلى صراع داخلي بين الفلسطينيين أنفسهم»، داعياً إلى «توحيد كلّ البنادق الفلسطينية ضدّ الاحتلال، وحلّ المشكلات الداخلية الفلسطينية بالحوار»، مُرسياً مفهوماً للشراكة الوطنية يقوم على أساس «تعزيز ما اتّفقنا عليه، والتحاور حول ما اختلفنا فيه، من أجل حماية الثوابت ومواجهة مشاريع تصفية القضية»، وعلى «مساهمة جميع الأُطر والتنظيمات والفعاليات الفلسطينية في صُنع القرار الوطني، وإعادة تأطير المؤسّسات الفلسطينية بما يلائم حركة تحرير وطني تُجسّد وحدة الأرض والشعب».
مرّت «الجهاد الإسلامي» بعدد من المفترقات التي ثبتت عندها على موقفها


على المستوى الخارجي، مرّت «الجهاد الإسلامي» بعدد من المفترقات التي ثبتت عندها على موقفها، وخاصة خلال ما أُطلق عليه «الربيع العربي»، حيث حافظت على علاقاتها القديمة، مُدافِعةً بأنها لا تنطلق إلّا «من بوصلة ومصلحة فلسطين والقضية الفلسطينية». ويشرح عضو المكتب السياسي للحركة، وليد القططي، هذا الثبات بالقول: «الجهاد، على رغم تأكيدها على إقامة علاقات إيجابية مع الجميع لنصرة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وخدمتهم، فإنها ربطت موقفها السياسي ومحدّدات علاقتها مع أطراف الأمّة بفلسطين، فأكدت في وثيقتها السياسية أن العلاقة مع كلّ طرف تتحدَّد بناءً على موقفه من فلسطين، ومستوى دعمه المادّي والمعنوي لها، وأقلّه دعم وإسناد صمود شعبنا وثباته على أرضه، وحقه في المقاومة والدفاع عن نفسه وأرضه ومقدّساته، في مواجهة العدوان الصهيوني المستمرّ». ويضيف القططي أنه باعتبار «فلسطين القضية المركزية للأمّة العربية والإسلامية، فإن الجهاد تقترب من الآخرين بقدْر اقترابهم من فلسطين والمقاومة وعدائهم للكيان الصهيوني، وتبتعد عنهم بقدْر ابتعادهم، وتنأى بنفسها عن المحاور والصراعات المُوجَّهة لصرف الأمة عن قضيتها المركزية تحت عناوين مذهبية وعرقية وسياسية وغيرها». ويتابع: «يكون موقف الحركة سلبياً بقدْر قبول الآخرين في الأمّة للكيان الصهيوني تدريجاً، من الاعتراف، إلى التطبيع، إلى التحالف، في مقابل موقفها الإيجابي بقدْر رفْض الآخرين في الأمّة للكيان تدريجاً أيضاً، من عدم الاعتراف، إلى دعم المقاومة، إلى الحرب حتى».