المشهد «الجهادي» إلى مزيد من التعقيد والتصعيد. هذا ما توحي به المعلومات الآتية من كواليس «جبهة النصرة». سواء ما يتم التكتّم عليه من استعدادات لـ«ولادة ثانية»، أو ما رشح إلى العلن مع التسريب الصوتي الأخير الذي خاطب به أبو محمد الجولاني «مبايعين» جدداً له في ريف حلب. وفي هذا السياق، سُرّبت أمس كلمة للشيخ السعودي عبد الله المحيسني، ألقاها في المحفل ذاته، تحدث فيها عن «إمارة الشام»، مُكملاً ما بدأه «أميره» الجولاني.
واستهلّ المحيسني كلمته بالقول «سجّل يا تاريخ، (...) أن تنظيم القاعدة في الشام أعلن في يوم الحادي عشر من رمضان بقيادة الشيخ الفاتح الجولاني تطبيق الشريعة الإسلامية». وبدا لافتاً أن المحيسني حرص في كلمته على التحدث عن تنظيم «القاعدة» وبلسانه، فخاطب «مبايعي النصرة» بـ«جند أسامة بن لادن» حيناً، و«أسود تنظيم قاعدة الجهاد» حيناً آخر. كذلك حرص على وضع الجولاني في سلسلة قادة التنظيم الكبار، فقال في سياق كلمته «... أول من حاك هذه الرايات هو الشيخ أسامة بن لادن تقبله الله، ثم رفعها الشيخ أيمن (الظواهري، الزعيم الحالي للقاعدة) حفظه الله، ثم الشيخ بيت الله محسود (زعيم حركة طالبان باكستان، قتل في آب 2009)، ثم الشيخ أبو مصعب عبد الودود (عبد المالك درودكال، أمير تنظيم القاعدة في المغرب) ثم الشيخ أبي ناصر الوحيشي (ناصر عبد الكريم الوحيشي «أبو بصير»، قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب)، ثم الشيخ الفاتح الجولاني. ثم ترفعونها أنتم...». هي «الإمارة» إذاً، لكن يبدو أن ظهورها إلى العلن لم يكن مقرراً في هذا الوقت. وكان من المفترض أن يواصل الجولاني والمحيسني جهودهما لحشد مزيد من «البيعات» وتجميع شتات «النصرة»، ثم الحصول على ضوء أخضر من زعيم القاعدة وعدد من «مشايخ الجهاد» قبل خروج «إمارة الشام» إلى العلن. وهو الأمر الذي أكّده بيان توضيحي صدر أول من أمس عن «النصرة». وقال البيان إن «مشروع جبهة النصرة من أول يوم أُسّست فيه هو إعادة سلطان الله إلى أرضه وتحكيم شريعته».
وأضاف «إننا نسعى لإقامة إمارة إسلامية وفق السُنن الشرعية المعتبرة، ولم نعلن عن إقامتها بعد، وفي اليوم الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون والعلماء الربانيون سنعلن عنها بإذن الله». البيان كرّر ما جاء في التسجيل الصوتي المسرّب للجولاني، حول استراتيجيات «الإمارة» القادمة. وزاد البيان على ما قاله الجولاني تحديد إطار زمني للإجراءات الموعودة: «إننا نسعى لتحكيم الشريعة من خلال إقامة دور للقضاء، ومراكز حفظ الأمن، وتقديم الخدمات العامة للمسلمين، في غضون عشرة أيام بديلاً من الهيئات الشرعية السابقة». «النصرة» هددت في بيانها بأنها لن تسمح «لأحد بأن يقطف ثمار الجهاد ويقيم مشاريع علمانية أو غيرها من المشاريع التي تقام على دماء وتضحيات المجاهدين»، في ما يبدو أنه غمزٌ من قناة «الميثاق الثوري» الذي سبق أن وقّع عليه عدد من المجموعات في سوريا، وعلى رأسها «الجبهة الإسلامية»، أبرز حلفاء «النصرة» حتى وقت قريب. ويفتح البندان الأخيران الباب أمام معارك قريبة متوقعة بين «النصرة» وعدد من «حلفاء الأمس»، بحجة «الإفساد» أو بذريعة «محاربة المشاريع العلمانية». كذلك حرص البيان على التذكير بمعركتي «النصرة» الأساسيتين، حيث أكّد «رص الصفوف ضد الأخطار التي تهدد الساحة، سواء من قبل النظام النصيري أو جماعة الخوارج الغلاة (تنظيم الدولة الإسلامية)».