لا تُفوّت سلطات العدو اليوم العاشر من «السنة العبرية» من دون أن تُشدّد خناقها على الفلسطينيين؛ إذ تَعمد، في هذه «المناسبة»، إلى إخضاع مناطقهم لحالة من حظر التجوال، كما وتَفرض قيوداً على عاداتهم اليومية مِن مِثل تحريم الشواء أو تدخين النارجيلة بشكل علني، وصولاً حتى إلى منْعهم من ممارسة أعمالهم ومِهنهم ووظائفهم أو فتْح «أبواب رزقهم». تتذرّع دولة الاحتلال، في ذلك، بحلول «أقدس الأيام اليهودية»، والذي تحيي فيه ذكرى «رجوع موسى من سيناء للمرّة الثانية، محمَّلاً بألواح الشريعة بعدما غفر الربّ لليهود خطيئة عبادة العجل الذهبي». صحيح أنه لا علاقة للفلسطينيين بتلك «الخطيئة»، ولكنهم ملزَمون - على رغم عدم قانونيّة هذا الإلزام حتى في التشريع الإسرائيلي - بأن يُكيّفوا حياتهم على مقاس هذا اليوم. وعليه، تَكفي «خطيئة» واحدة مِن مِثل أن يتواجد فلسطيني صدفةً في حيّ يَسكنه يهود في عكا أو اللد، حتى تندلع اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على اعتبار أن الفلسطيني «انتهك حُرمة الغفران» بتنقّله في الشارع أو إطلاقه زمّور سيّارته، وهو عيْن ما حدث، على سبيل الذكر، عام 2008، عندما وصل الفلسطيني توفيق الجمل بسيّارته لاصطحاب ابنته من منزل أقربائه في «شيكون همزراح» (حارة الشرق) في مدينة عكا أثناء «الغفران»، ليتعرّض للرشق بالحجارة من قِبَل مجموعة من اليهود، وتتحوّل المدينة إثر هذه الواقعة إلى ساحة حرب على مدار أيام متتالية. أوّل من أمس، بدأ «الغفران»، فاستغلّت بلديات الاحتلال الفرصة لتوسيع «قائمة المحظورات» على الفلسطينيين. والملفت في هذا الإطار، هو إجبار البلدية وعناصر الشرطة، وأصحاب المصالح التجارية في البلدة القديمة في عكا على إغلاق محالّهم، لتخلو شوارع السوق من الباعة والمتجوّلين، فيما حُوصر سكّان أكبر «المدن العربية» (الناصرة) في مناطقهم، ومُنعوا من الدخول أو الخروج حتى نهاية «العيد». كذلك، بدا مستغرَباً إرغام المدارس الأهلية في المدينة نفسها على إغلاق أبوابها، وهو ما تصفه الناشطة رلى نصر - مزّاوي بأنه «سابقة مخزية»؛ إذ لا مبرّر بحسبها للإغلاق في «المدن الفلسطينية الخالصة». وتَعزو نصر - مزّاوي، في حديث إلى «الأخبار»، ما يحصل إلى «كسل المنظومات التربوية، والذي يتقاطع مع سياسات تتسرّب إلى المؤسّسات الفلسطينية الخاصة، ليس فقط من طريق المنهاج التعليمي، وإنّما أيضاً من طريق إقحام أعيادهم (اليهودية) في تفاصيل حياتنا وفرضها علينا كجزء من سياسات القمع وشطب الهويّة وصهْر الوعي». وفي سبيل هذه الغاية، أُجبر أكثر من 80 ألف فلسطيني في الناصرة، في اليومَين الماضيَين، على البقاء في مدينتهم، في إطار سعْي سلطات الاحتلال لتحويل «الغفران» إلى ما يشبه عيداً قومياً، مع ما يعنيه ذلك من إدخال فلسطين من شمالها إلى جنوبها تقريباً في حالة من الشلل، في انتهاك واضح لحقّ أساسي من حقوق الفلسطينيين، وهو حرية التنقّل.
حُوصر سكّان أكبر «المدن العربية» (الناصرة) في مناطقهم، ومُنعوا من الدخول أو الخروج


وبالعودة إلى عكا، عبّرت قائمة «عكا تجمعنا» عن تفاجئها بقرار البلدية والشرطة الإسرائيليتَين إغلاق البلدة القديمة، باعتباره «غير مبرَّر وغير مفهوم»، خصوصاً أن السكّان العرب يشكّلون الغالبية من سكّان البلدة. وأشارت إلى أن «المسلمين في المدينة يصومون شهر رمضان، فهل يتصوّر أحد وضعاً يطالِبُ فيه المسلمون بمنع اليهود من الأكل والشرب احتراماً لمشاعرهم، أو إغلاق مطاعمهم منعاً لانتهاك حرمة الشهر الفضيل؟! طبعاً لا! فلماذا إذاً يَمنعون العرب من ممارسة حياتهم الطبيعية في حدّها الأدنى، مع الأخذ في الاعتبار مسألة احترام عيد الغفران». ولفتت إلى أنه «لا يوجد قانون يمنع التنقّل وقيادة السيارة في يوم (الكيبور)، ويبْقى الأمر متروكاً لقناعات السكّان»، معتبرةً قبول النائب أدهم جمل وأعضاء البلدية من «التحالف العكّي» قرار إغلاق المدينة، «غير منطقي»، «مع علمه وعلمهم بأنه مرفوض وغير قانوني، خصوصاً وأنه حَوَّلَ عكا إلى ثكنة عسكرية». أمّا رئيس «لجنة تجار عكا»، هاني أسدي، فيلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك مَن لم يلتزم بالإغلاق داخل البلدة القديمة، وبعض المحالّ فتحت أبوابها، فيما الغالبية أغلقت بالنظر إلى أن حركة البيع والشراء محدودة أصلاً في ظلّ الحصار على المدينة ومنْع المواصلات»، الأمر الذي «يؤثّر سلباً على التجارة ويهدّد أرزاق الفلسطينيين».
من جهتها، اعتبرت الفنّانة الفلسطينية، ابنة مدينة عكا، سامية قزموز، أن سلطات الاحتلال «تتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم غير موجودين. نحن نصوم 30 يوماً على السكْت، حتى من دون تعطيل أعمالنا وبرامجنا، فيما هم يصومون يوماً واحداً ويفرضون علينا الالتزام بعدم الشواء ولا تدخين النارجيلة على شرفات بيوتنا بحجّة احترام مشاعرهم». وأضافت أنه «في إحدى المرّات، عبرت سيارة كانت تنقل مريضاً إلى المستشفى، فرُشقت من قِبَل يهود بالحجارة. وذات مرّة، اعتدى يهود على امرأة وابنها بينما كانا يتنقّلان بسيّارتهما، ويومها صعد شباب عكا إلى مئذنة الجزار وأعلنوا الأذان وطلبوا النجدة، ما دفع ببقيّة شباب المدينة إلى تحطيم واجهات المحالّ اليهودية في شارع بن عامي». وتابعت: «لا تقتصر المحظورات المفروضة على الكيبور، أيضاً تحاول البلدية التضييق علينا في أعياد الفطر والأضحى لمحاربة الوجود العربي في المدينة، علماً أنها (البلدية) تدّعي أن فرض الإغلاق والحصار يأتي بهدف تحقيق التعايش ومنْع الاحتكاكات بين الجانبَين».