دمشق | أربعون عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، وما زالت تترك جرحاً لا يندمل، وتداعيات أليمة مستمرة على الأجيال الفلسطينية أينما كانوا، ولسان ذوي الضحايا يقول: لن نسامح ولن ننسى واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون بحق أبناء شعبنا الفلسطيني اللاجئين في لبنان وفي كل مكان.أربعون عاماً، والأمل معقود على تحقيق وحدة وطنية فلسطينية حقيقية بعيداً من الرضوخ للأجندات الخارجية المعادية، وعلى المقاومة للثأر لدماء شهداء صبرا وشاتيلا وكل الشهداء.
للمناسبة التقت «الأخبار» بعض اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، لنقل مشاعرهم وأفكارهم عن المجزرة بعد أربعة عقود.

أمهات على الدرب
ربة المنزل حسنة حسين علي، أم تعتني بأولادها، تؤكد أنها كأم لن تغفر للجناة، وتقول: إنها تعتبر الشهداء أولادها وإخوة لها، وتضيف أنها ستبقى على الدرب الذي سارت عليه كل الأمهات في تنشئة الأجيال الفلسطينية التي تتمسك بوطنها. حسنة تعتبر أن مجزرة صبرا وشاتيلا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقي الاحتلال في أرضنا ومقدساتنا. وتضيف، أن المخيم الفلسطيني أينما كان، سيبقى شعلة مضيئة، تتوالد فيه الأجيال التي ستحمل دائماً سلاح المقاومة العسكرية إلى جانب سلاح الوعي والعلم والثقافة.

الفن وثّقها
الفنان التشكيلي والممثل الفلسطيني محمود الخليلي، لا يبتعد عن حسنة، لكنه ينطلق في حديثه من ناحية التعبير: «ليس سهلاً الإحاطة بشكل شامل، بكل ما نتج تعبيراً عما حدث في تلك الليلة الظلماء في صبرا وشاتيلا في أيلول عام 1982». ويضيف: «نحن أمام مجزرة يندر مثيلها، استمرت لمدة ثلاثة أيام قتلاً وتنكيلاً بالأبرياء، أطفالاً ونساءً وشباباً وشيوخاً قتلوا وذبحوا، والحصيلة قدّرت بآلاف الشهداء. وطالما أن الفاجعة إنسانية بعمقها، فلا بد من صحوة حقيقية إبداعية، ترصد عمق ما حدث، وتعبر عن دلالة هذه الفاجعة».
عبّر عدد من الفنانين العرب والأجانب، عن هول المأساة التي حصلت في «صبرا وشاتيلا»، واختلفت أشكال هذا التعبير كما يوضح الخليلي «قدمت مساهمات فنية، سواء في البوستر السياسي أو المنحوتة واللوحة الزيتية والغرافيكية: إسماعيل شموط، غازي انعيم، بشير السنوار، جهينة قندلفت، النحات الكويتي سامي محمد، الفنان العراقي ضياء العزاوي... والقائمة تطول وتطول».
ويؤكد الخليلي أن التعبير عن المجزرة لم يأخذ فناً واحداً فقط، فشمل الموسيقى والغناء والشعر وغيرها. «سارعت الفرق الغنائية الشبابية الفلسطينية والعربية، لإعلان موقفها عبر الغناء والموسيقى، أذكر منها فرقة أغاني العاشقين الفلسطينية، بقيادة الموسيقار الفلسطيني حسين نازك، وفرقة الطريق العراقية، وناس الغيوان المغربية، كما قدم شاعر المخيمات الفلسطيني إبراهيم صالح المعروف بـ أبو عرب، كلمات مغناة، تصف واقع حال من اختبروا المجزرة:
قومي يختي شوفي الجثث المبعثرة،
شوفي الجثث الموزعة في الطريق،
شوفي الأطفال مسبحين بدمهم،
عم يرضعوا من صدر جثة أمهم»
لن يُسقط التقادم الجريمة
مضر يوسف عودة، الذي يعمل مدير مدرسة ومربياً لأجيال، يقول: «إن مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من الجرائم التي تستهدف الإنسان. والقتل على الهوية بدم بارد لن يسقط بالتقادم». ويضيف: «ستبقى لعنة الدم تطارد الجناة، وتقض مضاجعهم، هذا مع اعتبار أن مؤسسات العدل الدولية، تبقى رهينة الحسابات السياسية للقوى الغربية التي تغض النظر عن جرائم العدو الصهيوني وأعوانه». يعتبر عودة أن الجريمة لن تسقط بالتقادم، مؤكداً أنه «ليس هناك بديل من معاقبة المتورطين بالجريمة، سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو الدعم الميداني واللوجستي، فالحق لن يموت».
المخيم الفلسطيني أينما كان، سيبقى شعلة مضيئة، تتوالد فيه الأجيال التي ستحمل دائماً سلاح المقاومة


المجزرة صنعت كاتباً
لم يكن قد أتم العاشرة من عمره، حين وقعت المجزرة، الكاتب والقاص نور الدين الموعد، «لكن الحس الوطني كان في أوجه في تلك الفترة على الصعيد الشعبي العام، فقد كان له تأثير كبير في نفسي». ويرى الموعد أن الأمور كانت تشق طريقها إلى فواجع كبيرة ومديدة الأثر؛ «فلم تكن صبرا وشاتيلا على حسب تلقينا البسيط والعفوي لها، إلا إحدى أبرز تلك المآسي والعلامات على مسار شعب مظلوم يتجه إلى فضاء جديد من الضياع وعدم الاستقرار».
ساهمت المجزرة برفع إرادة الموعد، فلم يفكر باليأس والانكسار، «بل كان فيّ ما يثير العزيمة للوصول إلى ما هو حق لا شك فيه، بالتالي إكمال الطريق بكل السبل». يتابع الموعد قائلاً: «لا أدري في تلك الفترة، كيف وجدتني بحاجة لأعبر أكثر من ذي قبل، فكتبت أول نص طويل نسبياً مقارنة بما كنا نكتب، نحن الشباب في التعبير المدرسي كطلاب مدرسة». يتذكر الموعد ذاك النص، «وصفت فيه حكاماً يستهترون، ويتخاذلون، فضلاً عن أن بعضهم يساعد العدو بقصد أو غير قصد، لكن المشاعر في هذا النص، كانت متمسكة بقيم لا تخضع للتفريط والمساومة». كتابة هذا النص، ولّدت لدى الموعد تصميماً «أن أكون كاتباً وها أنا على الطريق».

جرح وإرادة
أمّا الممرضة وهيبة فلاح، تعبّر من جهتها بأن مجزرة صبرا وشاتيلا «جرح يسكن الضمائر والتاريخ طالما البشرية موجودة. مجزرة حدّثنا عنها الآباء والأجداد». وترى فلاح أن المجزرة وغيرها من الفظائع التي ارتكبت بالشعب الفلسطيني، تزيد من «عزيمتنا وإصرارنا وقوتنا في ازدياد من أجل فلسطين»، وتضيف: «سنبقى نتحدى إسرائيل التي تريد أن تقضي على الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات حتى وهم لا يملكون أدنى مقومات الحياة، لمعرفتها بإرادة هذا الشعب، ولمعرفتها بأن الجنين يولد من بطن أمه، ويتعلم مع صرخته الأولى حب فلسطين».