بغداد | جاء الموقف الأخير الصادر عن حلفاء مقتدى الصدر السابقين من السُّنّة والأكراد، والرافض للاستقالة من البرلمان، ليضيّق الخيارات أمام الرجل الذي يبدو أمام احتمالَي العودة إلى الشارع أو الدخول في حوار مع خصومه في «الإطار التنسيقي». على أن هؤلاء لا يزالون يبعثون بإشارات سلبية إلى الرجل من خلال تمسّكهم بمحمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، الأمر الذي يعرقل بدوره العودة إلى الحوار. وفي انتظار مبادرات يمكن أن تكسر هذا الجمود، تتّجه الأنظار إلى ما بعد أربعينية الإمام الحسين، حيث تَبرز مخاطر تَجدّد الاقتتال، في حال لم يتمّ التوصّل إلى حلّ وسط بين المتخاصمين
منذ انسحاب الكتلة «الصدرية» من مجلس النواب في حزيران الماضي، وإعلان زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، أن شريكَيه في تحالف «إنقاذ وطن»، زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي يقود أكبر تكتّل سُنّي في البرلمان، في حِلٍّ منه، بدا أن التحالف الثلاثي الذي نشأ في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة، قد سقط . إلّا أن الصدر كان يراهن على استمرار التحالف ضمناً، ولذلك كتب «وزير القائد»، صالح محمد العراقي، في تغريدة قبل أيام قليلة، أن مجلس النواب يمكن حَلّه إذا انسحب «حلفاؤنا من السُّنّة والأكراد منه، حيث سيَفقد شرعيته ويُحلّ مباشرة». لكنّ اجتماع بارزاني والحلبوسي في أربيل ردّ مباشرة على تلك التغريدة بإعلان رفض الانسحاب من المجلس، ما يعني إنهاء هذا التحالف الضمني، أقلّه في ما يتعلّق بالنظرة إلى العملية السياسية وكيفية المُضّي فيها إلى الأمام، ويجعل الصدر وحيداً في المطالبة بذلك.
وبعدما لم تفلح جهود زعيم «التيّار الصدري» في الدفْع نحو حَلّ البرلمان عبر الشارع، الذي وصل إلى ذروة التجييش خلال اجتياح «الصدريين» مقرّات المؤسّسات الحكومية في «المنطقة الخضراء» مطلع الأسبوع الماضي، تكون الخيارات قد ضاقت أمام الصدر الذي بات إزاء ثلاثة خيارات: إمّا العودة إلى الشارع للدخول في معركة غير مضمونة النتائج مع المنافسين، والمخاطرة بالانجرار مجدّداً إلى اقتتال شيعي - شيعي؛ وإمّا التنازل والقبول بالحوار، وإمّا اعتزال العمل السياسي، فعلياً هذه المرّة، لا قولاً فقط. وكان «وزير القائد» قد رفض، في التغريدة ذاتها، خيار العودة إلى البرلمان، إذا قضت «المحكمة الاتحادية العليا» في قرار متوقَّع في 28 أيلول الجاري، ببطلان قبول استقالة نواب الكتلة «الصدرية» الـ73، بتوقيع من الحلبوسي على الاستقالات، من دون تصويت برلماني عليها، وما تَرتّب على تلك الاستقالة من إحلال خاسرين أوائل مكان هؤلاء النواب. على أن الصدر ليس وحده مسؤولاً عن استمرار هذا المأزق؛ فـ«الإطار التنسيقي» فشل هو الآخر في التقدّم خطوة نحو الوسط لتسهيل العودة إلى الحوار، بإعلانه تمسُّكه بترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، على رغم أن الترشيح المذكور هو الذي دفع الصدريين للنزول إلى الشارع، علماً أن السوداني محسوب على رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، الخصم اللدود للصدر، والذي يبدو أنه لا يزال يحول دون تليين مواقف «التنسيقي».
يوحي مشهد التنسيق بين بارزاني والحلبوسي بأن التحالف الثلاثي تَحوّل إلى ثُنائي


وإذ يوحي مشهد التنسيق بين بارزاني والحلبوسي بأن التحالف الثلاثي تَحوّل إلى ثُنائي، سعياً لاستغلال الصراع الداخلي الشيعي، في تحصيل مكاسب لـ«المكوّنَين» الكردي والسني، بعضها من شأنها تغيير ميزان القوى داخل السلطة في العراق، وبعضها الآخر مرتبط بما هو أبعد كما في حالة الطموحات الانفصالية، فإن السؤال الآن هو: هل يمكن أن يُحدث الموقف الجديد لبارزاني والحلبوسي، كوّة في جدار العملية السياسية، بعيداً من الصدر؟ قد تكون هذه هي رغبة الرجلَين أو هدفهما من التنسيق في ما بينهما؛ فهما في المقام الأول دخلا مع الصدر في التحالف الثلاثي، عندما كانا يعتقدان أن بإمكانه تشكيل حكومة، بهدف الحصول على مكاسب منه. واليوم، وبعدما ثبتت صعوبة تحقيق البرنامج الذي وضعه زعيم «التيار الصدري»، ربّما يحاولان تكرار التكتيك نفسه مع «التنسيقي». وفي كلتا الحالتَين، ينخرط بارزاني والحلبوسي في اللعب على وتر الخلافات الشيعية، وهو ما سيساهم في تعميق الشرخ بين الطرفَين الشيعيَّين، في ظلّ مخاطر اقتتال يبدو إلى الآن ممكناً تجنّبه، خصوصاً أن الظروف الإقليمية والدولية لا تزال غير مساعدة على اشتعاله، لكن من يضمن استمرار هذه الكوابح؟
في المقابل، يفسّر قريبون من الحلبوسي رفض الانسحاب من البرلمان، على أنه محاولة لمنع استحواذ «التنسيقي» على العملية السياسية. وفي هذا الإطار، يقول المحلّل السياسي، وائل حازم، لـ«الأخبار»، إن «السيادة والديموقراطي يعرفان أن الإطار التنسيقي سيتعامل مع انسحابهما، كما تعامل مع انسحاب الكتلة الصدرية، وبالتالي سيذهب إلى ترديد القسم عن البديل، وسيستحوذ على رئاسة البرلمان، وسيذهب بعيداً في تشكيل الحكومة، من دون أن تكون هنالك جهة تُعارضه». ويضيف أن «وجود الديموقراطي والسيادة داخل البرلمان ضروري لتحديد شكل الحكومة المقبلة وآليات تشكيلها وموعد الانتخابات المبكرة وشكل القانون الانتخابي، لأن الإطار إذا استحوذ على البرلمان فسيشكّل حكومة ويعدّ قانون انتخابات ويأتي بمفوضية تضْمن فوزه في الانتخابات المبكرة».
من جهته، يَعتبر المعارض الكردي، سامان نوح، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «رفض شريكَي التيار الصدري الانسحاب من البرلمان ليس موقفاً جديداً، لكنّ الإعلان الصريح وبهذا الوضوح هو الجديد»، مُذكّراً بأنه «حين دعا الصدريون كلّ شرائح الشعب العراقي، وبشكل خاص الكرد والعرب السنّة، إلى الانضمام لاعتصامهم وتأييد ثورتهم، لم يحصل ذلك». ويرى نوح أن «إعلان هذا الموقف جاء لأسباب عديدة، منها عدم استعدادهم لتحمُّل خطأ الصدريين بالانسحاب المفاجئ من البرلمان دون استشارتهم، خاصة أن السيادة والديموقراطي حصلا على عدد كبير من المقاعد ربّما سيكون من الصعب عليهما تحقيقها مجدّداً في أيّ انتخابات مبكرة قادمة. كما أن تحالفهما مع التيّار جاء لتحقيق مكاسب لهما ولجمهورهما في الحكومة وخارجها، والدخول في دوّامة انتخابات جديدة سيحرمهما من امتيازات كانا يتطلّعان إليها عبر مشاركتهما بقوّة في حكومة كاملة الصلاحيات».