القاهرة | للمرة الثالثة على التوالي، يتعمّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التلاعُب بالدستور والقوانين الناظمة لآليات العمل في «هيئة الرقابة الإدارية»، المسؤولة قانوناً عن مكافحة الفساد في الجهاز الإداري للدولة. إذ إن منصب رئيس الهيئة، الذي حصّنه الدستور من العزل لإمكانية دخوله في خلاف مع الرئيس أو اعتراضه على سياساته، حوّله السيسي إلى منصب قائم بالأعمال، يعزل صاحبه كل عامين، إلى جانب تقليص هامش ما يمكن أن يقوم به، في ظل التسويات الودية لقضايا الفساد، والتي باتت نهجاً متّبعاً لدى النظام في الآونة الأخيرة. واللافت أن هذه التسويات لم تَعُد مقتصرة على رد الأموال وإنهاء الشق الجنائي بموجب المساومات الحاصلة، بل امتدت إلى وضع الأموال المستعادة في مصارف مغايِرة لتلك التي سُرقت منها، وهو ما تَكرّر حدوثه خلال الفترة الماضية، في وقت تقلّصت مساحة عمل أجهزة الدولة لصالح الأجهزة المُوازية لها في الجيش، والتي باتت مسؤولة عن غالبية المشاريع والأعمال التي تُنفَّذ.وعيّن السيسي، مساء أول من أمس، اللواء عمرو عادل، نائب رئيس «الرقابة الإدارية» السابق، على رأس الهيئة كقائم بالأعمال، خلَفاً لحسن عبد الشافي الذي عُيّن قبل عامَين فقط في الموقع نفسه لمدة عام، قبل أن يجدَّد له العام الفائت، ليقرر السيسي أخيراً إطاحته ووضعه في منصب شرفي مستشاراً في رئاسة الجمهورية. ولم يعيّن رئيس الجمهورية، منذ وصوله إلى السلطة، في المنصب المذكور، على نحو أصيل - أي كرئيس وليس كقائم بالأعمال - سوى اللواء محمد عرفان، الرجل القوي الذي حاول الظهور إعلامياً، قبل أن يجبَر على التقاعد بعد عامَين فقط من تكليفه وتحديداً عام 2017، لتبدأ دوامة العمل بالوكالة، بحيث يتولى الهيئة قائم بالأعمال لمدة عام، تمدَّد مهمته لعام آخر في حد أقصى، خلافاً لما نص عليه الدستور. وبموجب الدستور، تُعتبر «الرقابة الإدارية» واحدة من الهيئات والأجهزة الرقابية المستقلة، التي جرى خصّها في المادة 216 بضوابط وآليات لتعيين رئيسها، بحيث يُعيَّن لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، حتى تصل ولايته إلى 8 سنوات كحد أقصى، وهو ما لم يحدث البتّة منذ تسلُّم السيسي مقاليد الرئاسة؛ إذ تداوَر على هذا المنصب 5 رؤساء، من بينهم 4 دخلوا وخرجوا منه كقائمين بالأعمال.
يستغل السيسي الثغرات الدستورية في التعامل مع منصب رئيس «الرقابة الإدارية»


ويمنح الدستور الرئيس الحق في اختيار قائم بالأعمال لمدة عام، بدلاً من التعيين الذي يستوجب موافقة مجلس النواب، لكنه لا يقيّد حقه في التمديد عاماً بعد آخر للمسؤول باعتباره قائماً بالأعمال. وفي ذلك ثغرة يستغلها السيسي في التعامل مع منصب رئيس «الرقابة الإدارية». وعلى رغم أن هذا الأخير لا يستدعي قلق الرئيس، باعتبار أن مَن يعيَّن فيه تُجرى تحريات عدة عنه ويكون ضابطاً في الجيش بالأساس، إلا أن السيسي لا يَطمئن إلى تعيين أي كان في المنصب المذكور كأصيل، خصوصاً أنه لا يملك صلاحية إقالته. وقد بات نهج العمل بالوكالة متّبعاً في مختلف مؤسسات الدولة، وليس في الأجهزة الرقابية فحسب؛ إذ إن غالبية المناصب التي يُفترض اختيار أصحابها بقرارات رئاسية لمدة 3 أو 4 سنوات بحسب القانون، باتت تُعتمد فيها «نظرية» القائم بالأعمال بدلاً من التعيين، وهو ما تكرّر أخيراً في ملء منصب محافظ البنك المركزي.