بغداد | لحزب الدعوة الإسلامية الذي يقود أكبر كتلة برلمانية في العراق (ائتلاف دولة القانون) ثنائية تاريخية بدأت منذ أوائل سنوات تأسيسه، ارتبطت بصراعات داخلية، وأدت إلى انشقاقات وانقسامات ما زالت ماثلة حتى اللحظة.
رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته نوري المالكي الذي جمع مختلف أنواع وأصناف أعضاء حزب الدعوة، لم يوقف خطوط الصراع الناشبة داخلياً في الآونة الأخيرة، فصار تيار من جماعة الحزب يرغب في تغيير المالكي في المرحلة المقبلة، في حين ينصح تيار آخر بعدم استبداله.
وللتعرف إلى أبرز القيادات الراغبة في ترشيح بديل من المالكي من داخل الحزب، لا بد من استذكار تاريخ ثنائية القيادات والأعضاء داخل الحزب؛ بدأت الصراعات داخل الحزب منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، بين «المعمم» و«الأفندي»، عندما كان السيد كاظم الحائري فقيه الحزب، وقياداته يمثّلها الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ مهدي العطار. وبعد حدوث تغيرات في قيادات وإيديولوجيات الحزب، نشب صراع من نوع آخر، تمثّل في إقليمية وجود أعضاء الحزب، أي بين القيادات الموجودة في إيران وسوريا والعاصمة البريطانية لندن التي يقيم فيها أبرز القيادات آنذاك، كزعيم التحالف الوطني الحالي إبراهيم الجعفري.

تيار في الحزب
يرغب في تغيير المالكي، وتيار
ينصح ببقائه
ونشب صراع آخر منتصف التسعينيات بين أعضاء وقيادات الحزب من أبناء المحافظات الجنوبية (البصرة، العمارة، الناصرية)، مع أبناء محافظات النجف وكربلاء، بسبب رغبة الصنف الثاني في التفرد بقرارات الحزب، حتى أعلنت جماعة من أهالي المحافظات الجنوبية انشقاقها عن الحزب وإنشاءها لـ«حزب الدعوة تنظيم العراق».
أما الصراع في زمن المالكي فبقي مناطقياً بحتاً، كان أبرز طرفيه الصنف الـ«كربلائي» المتمثل في القيادي البارز علي الأديب، عندما كان نائباً في البرلمان، و«الجنوبي النجفي» المتمثل في القيادي طارق نجم، عندما كان مديراً لمكتب رئيس الوزراء.
تبعات هذا الصراع تغيرت قليلاً هذه الفترة، لكنها ما زالت مؤثرة في أوساط الحزب، على الرغم من أن المالكي المنحدر من محافظة بابل المجاورة لكربلاء، وتحديداً من منطقة طويريج التي تبعد عن كربلاء نحو 25 كلم، تمكن من جمع الصنفين المتصارعين، للصفات المشتركة التي يحملها، وأطباع ريفية عربية مقاربة لصفات المحافظات الجنوبية.
صحيح أن الصراع لم يتبلور كثيراً في هذه الفترة العصيبة، إلا أن العديد من القيادات نَفَذَت الأشهر القليلة الماضية في مكتب رئيس الوزراء، وتمددت برغبة فرض الهيمنة على بعض مفاصل المكتب ومراكز القرار، بل ودخلت في مرحلة حسم الصراع لتغيير أو إبقاء المالكي مرشحاً للحزب لرئاسة الوزراء.
من هنا يظهر جلياً أن الخط «الكربلائي»، المتمثل في كل من علي الأديب ووليد الحلي وحيدر العبادي وآخرين، يخشى كثيراً صعود نجم المرشح الأبرز لخلافة المالكي القيادي طارق نجم. ويشاطر هذه الرغبة قياديون بارزون لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بالمصالح الشخصية. واللافت أن القيادي الشيخ عبد الحليم الزهيري، أبرز مستشاري رئيس الوزراء، ومفاوضه الأساس في مباحثات تشكيل الحكومة لا سيما مع إيران والمرجعية في النجف، هو الآخر يؤيد بقاء المالكي لاعتبارات عدة، أبرزها أنه الوحيد القادر على إخفات الصراع الداخلي المتنامي.
الجبهة الأخرى التي بدت منتشية هذه الفترة، لاعتقادها بقرب تسمية طارق نجم رئيساً للوزراء، تتمثل في كل من النائب السابق ومستشار رئيس الوزراء الإعلامي السابق ياسين مجيد، يسانده كل من حسن السنيد وكمال الساعدي وآخرون، وجميعهم من أصول جنوبية، تشعر بالغبن إزاء هيمنة «الصنف الكربلائي» على الحزب. كذلك هم ساخطون على تزعّم مراكز القرار ومفاصل مكتب رئيس الوزراء أشخاصاً يعتبرونهم «دخلاء على حزب الدعوة»، كزوجَي ابنتي نوري المالكي، ياسر صخيل وناصر صخيل، وهما نائبان عن ائتلاف دولة القانون.
وكان القيادي في الحزب طارق نجم، إبان ممارسته مهماته كمدير لمكتب رئيس الوزراء عام 2005، الرجل الثاني في الدولة العراقية بعد المالكي، وقام بمنع أقارب المالكي وعائلته من التنفذ في الكابينة الرئاسية، إلا أنهم حققوا نفوذاً مفرطاً بعد استقالة نجم من إدارة مكتب المالكي في عام 2010.
ويبدو أن ثنائية الصراع مكّنت حزب الدعوة، في كل مراحله التاريخية، من ابتكار أسلوب للتوازن ومجدّد للقيادات.