غزة | وجّه الاحتلال أمس ضربة قوية إلى كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، بعد أن أغار الطيران الحربي على سيارة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة كانوا داخلها ورابع من المارة. صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية قالت إن الاستهداف كان لقائد الكوماندوز البحري في «القسام»، وما لبثت الكتائب أن أعلنت استشهاد أحد قيادييها الميدانيين ويدعى محمد شعبان، وكان معه في السيارة اثنان آخران هما أمجد شعبان وخضر أبو حبل، دون أن يتأكد أنهما من عناصرها أو لا.
عودة الاغتيالات بهذا المستوى يظهر كم تدس المخابرات الإسرائيلية أنفها في كل ما يتصل بالمقاومة، فهي رغم حملات مكافحة التخابر تعمل جاهدة على أن تزرع في كل بيت جاسوساً ينقل إليها دبيب النمل، وذلك بمساعدة وسائل تكنولوجية أهمها الهواتف الذكية وشبكة الاتصالات، وهي تستفيد من هؤلاء العملاء لتحديث بنك أهدافها على الأرض. طبقاً لما ذكرته مصادر أمنية مطلعة في غزة لـ«للأخبار»، فإن الحديث يدور عن تجسس عالي المستوى، يوجب الحذر خلال الحرب من استخدام التكنولوجيات، فضلاً عن ضرورة تنظيف الميدان من «الأيادي المدسوسة»، (أي المتخابرين). وليس مبالغة القول إن الحواسيب والهواتف تعمل في هذه اللحظات لمصلحة إسرائيل عبر أكثر من تقنية، ومنها الرسائل الإلكترونية، وما تنشره الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. ويرى أمنيون أن عبقرية المواجهة مع الاحتلال خلال عمليته العسكرية على غزة التي سماها «الجرف الصامد» تكمن في الذكاء الأمني. ليس ذلك تقليلاً من شأن العمل العسكري، ولكن الحس الأمني الفطن يحسم المعركة أحياناً. ذلك واحد من الأسباب التي دفعت الأطر الأمنية في غزة والفصائلية إلى أن تشكل خلايا تعمل على إحباط عمليات التجسس الإسرائيلية، وكل ما من شأنه أن يعزز فرص الطيران الحربي في استهداف القيادات الميدانية وحتى السياسية. في المقابل، إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في سباق محموم للتفوق على جهود المقاومة، لكن الأخيرة تؤكد أنها في المرحلة الحالية تخلت عن عدد كبير من وسائل الاتصال اللاسلكية التي من الممكن مراقبتها وتتبع حامليها. وهي تقول إنها اتخذت خطوة إلى الأمام بتشكيلها وحدات إلكترونية خاصة، من مهماتها «متابعة ما ينشره العدو، وبث رسائل عبر المواقع عبرية بهدف بث الرعب في نفوس الإسرائيليين، وإجراءات أخرى تتعلق بكشف حسابات شخصية لبعض مسؤولي جهاز الشاباك».

لا يمكن إعطاء
الامتياز للإسرائيلي وإغفال أن ضرباته تستهدف المدنيين

ضابط في وحدة التكنولوجيا التابعة لجهاز الأمن الداخلي في غزة، يقول لـ«الأخبار» إن الحس الأمني يتطلب في هذه الحرب حجب استخدام وسائل الاتصال التقليدية، وخصوصاً جهاز «الماخشير»، «لأنه يمكّن طيران الاستطلاع من تحديد مكان حامله بعد نحو 30 ثانية من استخدامه». ويضيف الضابط، ويدعى أبو معاذ، إن استخدام التكنولوجيا في الاتصال وإرسال الرسائل يشكل خطراً كبيراً على المقاومين، «لذلك قدمنا تعميماً بمنع التعامل مع الهواتف الذكية التي تحدد خطى سير صاحبها وتكشف مكانه بدقة». في الوقت الذي يشير فيه خبراء الاستخبارات إلى أن إسرائيل لا يمكنها الاستغناء عن الجاسوس، يلفت قائد ميداني في سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، إلى أنه لا يمكن التعامل مع الميدان عسكرياً دون تعقب الجواسيس والتحقيق مع المشتبه بوجودهم في ساحات المواجهة ومناطق إطلاق الصواريخ صوب الأراضي المحتلة. مع ذلك، يقدر القائد أن الأجهزة الإسرائيلية تحصل على 90% من المعلومات بواسطة التنصت وأقمار التجسس والأجهزة المزروعة في أماكن معينة، «وهناك 5% من طريق وسائل الإعلام، فيما يبقى الجزء الأقل والصعب، (5% من المعلومات السرية) لا يمكن الحصول عليه إلا بتجنيد الجواسيس».
على نحو آخر، تبدو المعركة الدائرة في غزة أكثر تعقيداً هذه المرة من ناحية التكتيك والمواجهة العسكرية، وذلك في ضوء تمكن المقاومة عامة والقسام وسرايا القدس من إبطال مفعول القبة الحديدية المقامة على التخوم الشمالية للقطاع. هنا، يذكر أبو خالد، وهو قائد في الوحدة الصاروخية للكتائب، أن عناصرهم تعمل وفق خطة محكمة في عملية إطلاق الصواريخ من غزة صوب الاحتلال، مؤكداً إخفاق القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ المحلية. وشدد أبو خالد، في سياق حديثه لـ«الأخبار»، على أن المقاومة «تستخدم حيلاً لم يكشفها العدو، تهدف إلى إرباكه وخلط الأوراق عليه، إضافة إلى أنها تحبط القبة في صد الصواريخ»، مذكراً بأن الصواريخ المحلية لا تحتوي شرائح ذكية تمكن القبة من تتبعها في الجو وإسقاطها.
وكان المقاومون يعتمدون في حرب 2012 على إطلاق دفعة من الصواريخ القصيرة المدى والمحلية الصنع لإفراغ بطارية القبة الحديدية من شحنتها من الصواريخ المضادة، ويسارعون مباشرة إلى إطلاق الصواريخ المتوسطة المدى قبل تعبئة بطارية القبة مجدداً، ما يضمن وصولها إلى النقاط المحددة لها. لذلك سعت إسرائيل إلى نصب عدد من أنظمة القبة على محاور عمودية وأفقية لتتلقى إحداها ما عجزت عنه الأولى، إن صدقت فعاليتها كما تدعي.
حساسية هذه القضايا لا تسمح للأذرع العسكرية بأن تلقي كل ما لديها من معلومات في هذا الإطار، لذا كان التحفظ سيد الموقف على كثير من الأسئلة، لكنهم أكدوا بالإجماع أن هناك عقولاً تعمل بصمت وتمتلك من الذكاء ما يمكنها من إدارة المعركة على المستويين التكنولوجي المتعلق بالاتصال، والعسكري المتعلق بمدى إطلاق الصواريخ والتحكم بدائرة النار.
كذلك، لا يمكن إعطاء الامتياز للإسرائيلي والمرور عن حجم الضربات الجوية التي وجهها إلى غزة وتعدت حتى كتابة التقرير حاجز المئة ضربة، دون تأكيد أن الاستهدافات بمجملها طاولت المدنيين والمنازل والمساحات الفارغة، وكان من القليل، عدا الاغتيال أمس، استهداف رجال المقاومة وإصابتهم مباشرة.
هنا، يرى الخبير الأمني، يوسف الشرقاوي، أن «المقاومة تعتمد استراتيجية جديدة في التعامل مع الاحتلال»، ذاكراً أن ذلك تأكد منذ استخدام راجمات صواريخ تطلق بالتحكم عن بعد ومن تحت الأرض، «فهذه الآلية قللت كثيراً خسارة الأرواح». وقال الشرقاوي لـ«الأخبار» إن المقاومة في غزة تمتلك عبقرية وخبرة في التعامل مع الميدان، «ولديها من القدرات ما يساعدها على تسديد الضربات دون أن يتمكن العدو من استنزافها»، مشدداً على أن استراتيجية الأنفاق الأرضية ستربك حسابات إسرائيل إذا استُخدمت في المعركة الجارية بطرق مفاجئة.